ثم أكد تعالى النهي عن إتيان النساء في غير المحل المعهود الذي أباحه للرجال فقال ما معناه : نساؤكم - أيها الناس - مكان زرعكم وموضع نسلكم، وفي أرحامهن يتكوّن الجنين والولد، فأتوا نساءكم كيف شئتم ومن أي وجهٍ أحببتم بعد أن يكون في موضع النسل والذرية، قال ابن عباس :( اسق نباتك من حيث ينبت ) وقدموا - أيها الناس المؤمنون - لأنفسكم صالح الأعمال وراقبوا الله وخافوه في تصرفاتكم، واخشوا يوماً تلقون فيه ربكم فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته وبشر المؤمنين بالكرامة والسيادة والنعيم المقيم في دار الكرامة.
سبب النزول
أولاً : عن أنس رضي الله عنه قال :« » كانت اليهود إذا حاضت امرأة منهن لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسئل النبي ﷺ عن ذلك فأنزل الله ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النسآء فِي المحيض ﴾ فأمرهم النبي ﷺ أن يؤاكلوهن ويشاربوهن وأن يكونوا معهن في البيوت، وأن يفعلوا كل شيء إلا النكاح، فقالت اليهود : ما يريد محمد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء ( عبّاد بن بشر ) و ( أُسَيْد بن خصير ) إلى رسول الله ﷺ فأخبراه بذلك وقالا يا رسول الله : أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعّر وجه رسول الله ﷺ حتى ظنّنا أنه غضب عليهما، فاستقبلتهما هدية من لبن فأرسل لهما رسول الله ﷺ فسقاهما فعلما أنه لم يغضب «.
ثانياً : وعن جابر رضي الله عنه قال :»
كانت اليهود تقول : من أتى امرأته في قُبُلها من دُبُرها كان الولد أحول، فنزلت ﴿ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ ﴾.
وجوه القراءات
قرأ الجمهور ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ ﴾ بسكون الطاء وضم الهاء، وقرأ حمزة والكسائي ( يَطّهّرْن ) بتشديد الهاء والطاء وفتحهما، ورجّح الطبراني قراءة تشديد الطاء وقال : هي بمعنى يغتسلن.
قال الفخر :« فمن خفّف فهو زوال الدم من طهرت المرأة من حيضها إذا انقطع الحيض، والمعنى : لا تقربوهنّ حتى يزول عنهن الدم، ومن قرأ بالتشديد فهو على معنى يتطهّرن ».
وجوه الإعراب
قوله تعالى :﴿ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ﴾ مبتدأ أو خبر، وقوله :﴿ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ ﴾ كلمة ( أنّى ) تأتي في اللغة العربية بمعنى ( من أين ) ومنه قوله تعالى :﴿ قَالَ يامريم أنى لَكِ هذا ﴾ [ آل عمران : ٣٧ ] ؟ أي من أين، وتأتي بمعنى ( متى ) و ( كيف ) تقول : سافر أنّى شئت، واجلس أنّى أردت أي سافر متى شئت، واجلس كيف أردت، والمعنى المراد في الآية ( كيف ) أي أتوا حرثكم كيف شئتم قائمة أو قاعدة أو مضجعة ولا يجوز أن يكون المراد ( من أين شئتم ) كما فهم بعض الجهال فأباحوا إتيان المرأة في دبرها.


الصفحة التالية
Icon