وقالوا : مما يدلّ على صحة قولنا أن الله تعالى علّق الحكم فيها على شرطين :
أحدهما : انقطاع الدم وهو قوله تعالى :( حتى يطهُرْن ) أي ينقطع عنهن الدم.
والثاني : الاغتسال بالماء، وهو قوله تعالى :( فإذا تطهّرن ) أي اغتسلن.
فصار المجموع هو الغاية، وهذا مثل قوله تعالى :﴿ وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً ﴾ [ النساء : ٦ ] فعلّق الحكم وهو جاز دفع الماء على شرطين : أحدهما : بلوغ النكاح، والثاني : إيناس الرشد، فلا بدّ من توفرهما معاً.
الترجيح : أقول ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح لأن الله تعالى قد علّل ذلك بقوله :﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين ﴾ وظاهر اللفظ يدل على أن المراد به الطهارة الحسية وهي الاغتسال بالماء. وهذا الذي رجحناه هو اختيار شيخ المفسّرين الطبري، والعلاّمة ابن العربي والشوكاني والله تعالى أعلم.
الحكم الخامس : ماذا يحرم على المرأة الحيض؟
اتفق العلماء على أن المرأة الحائض يحمر عليها الصلاة، والصيام، والطواف، ودخول المسجد، ومسّ المصحف، وقراءة القرآن، ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تطهر، وهذه الأحكام تعرف بالتفصيل من كتب الفقه، والأدلة عليها معروفة وهناك أحكام أخرى ضربنا صفحاً عنها لأنها لا تستنبط ن الآية والله أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١ - وجوب اعتزال المرأة في حالة المحيض حتى تطه من حيضها.
٢ - إباحة إتيان المرأة بعد انقطاع الدم والاغتسال بالماء.
٣ - حرمة إتيان المرأة في الدبر لأنه ليس مكاناً للحرث.
٤ - جواز الاستمتاع بشتى الصور بعد أن يكون في محل نبات الولد.
٥ - التحذير من مخالفة أمر الله وارتكاب ما نهى عنه تعالى وحذّر.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
جعل الله تبارك وتعالى مكاناً لنسل الرجل، وأحلّ له إتيانها في جميع الأوقات إلا في بعض حالات تكون فيها المرأة متلبّسة بالعبادة كحالة الإحرام، والاعتكاف، والصيام، أو في حالة الطمث ( الحيض )، وهي حالة تشبه المرض الحسيّ، لأنها حالة إلقاء ( البويضة الأنثوية ) التي لم تلقّح من رحم المرأة، وغالباً ما تصحبها الآلام وتكون المرأة غير مستعدة نفسياً لهذه المباشرة الجنسية، التي يقصد بها استمتاع كلٍ من الزوجين بالآخر.
ودم الحيض له رائحة كريهة بخلاف سائر الدماء، وذلك لأأنه من الفضلات التي تدفعها الطبيعة، وهو دم فاسد، أسود، ثخين، محتدم شديد الحمرة - كما يعرّفه الفقهاء - ورؤية الدم تنفر الطبع، وتشمئز منها النفس، فكيف إذا اجتمعت معه هذه الأوصاف الخبيثة؟! فإتيان المرأة في مثل هذه الحالة، فيه ضرر عظيم يلحق بالمرأة، كما أن فيه ضررا على الرجل أيضاً، عبّر عنه القرآن الكريم الدقيق ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ وأيّ تعبير أبلغ من هذا التعبير المعجز؟!
وقد أثبت ( الطب الحديث ) الضرر الفادح الذي يلحق بالمرأة من جراء معاشرتها وإتيانهاه في حالة الطمث، فكثيراً ما يختلط المني المقذوف من الرجل بهذه الدماء، ويتولد عن ذلك إلتهابات في عنق الرحم، أو في الرحم نفسه، أو يتعرض الجنين إلى التشوه إن قدّر هناك حمل، كما أن الرجل يتعرض لبعض الأضرار الجسمية، ولهذا ينصح الأطباء بالابتعاد عن المرأة في حالة ( العادة الشهرية ) حتى تطهر من طمثها، وفي ذلك أكبر برهان على حكمة الشريعة الغراء.