الحجة الثانية : ما روي عن عائشة أنها قالت :« هل تدرون الأقراء؟ الأقراء : الأطهار ».
قال الشافعي : والنساء بهذا أعلم. لأن هذا إنما يُبتلى به النساء.
الحجة الثالثة : قوله تعالى :﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [ الطلاق : ١ ] قالوا : ومعناه : فطلقوهن في وقت عدتهن، ولما كان الطلاق وقت الحيض محظوراً، دلّ على أن المراد به وقت الطهر، فيكون المراد من القروء الأطهار.
حجة أبي حنيفة وأحمد :
واحتج الفريق الثاني على ترجيح مذهبهم بما يأتي :
أولاً : إن العدة شرعت لمعرفة براءة الرحم، والذي يدل على براءة الرحم إنما هو الحيض لا الطهر.
قال الإمام أحمد : قد كنت أقول : القروء : الأطهار، وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض.
ثانياً : واستدلوا بقوله عليه السلام لفاطمة بنت حُبيش :« دعي الصلاة أيام أقرائك » والمراد أيام حيضك، لأن الصلاة تحرم في الحيض.
ثالثاً : قوله عليه السلام :« لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة » فأمر بالاستبراء بالحيضة، وقد أجمع العلماء على أن الاستبراء في شراء الجواري يكون بالحيض، فكذا العدة ينبغي أن تكون بالحيض، لأن الغرض واحد وهو براءة الرحم.
رابعاً : أقام الله تعالى الأشهر مقام الحيض في العدة في قوله :﴿ واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ ﴾ [ الطلاق : ٤ ] فدلّ على أن العدة تعتبر بالحيض لا بالطهر. وهذا من أقوى أدلة الأحناف.
خامساً : إذا اعتبرنا العدة بالحيض فيمكن معه استيفاء ثلاثة أقراء بكمالها، لأن المطلّقة إنما تخرج من العدة بزوال الحيضة الثالثة، بخلاف ما إذا اعتبرناها بالأطهار فإنه إذا طلقها في آخر الطهر يكون قد مر عليها طهران وبعض الثالث، فيكون ما ذهبنا إليه أقوى.
الترجيح :
ولعلّ ما ذهب إليه الفريق الثاني يكون أرجح، فإن الأحاديث الصحيحة تؤيده، والغرض من العدة في الأظهر معرفة براءة الرحم، وهو يعرف بالحيض لا بالطهر.
وقد رجّح العلامة « ابن القيم » في كتابه « زاد المعاد » هذا القول ونصره وأيده فقال :« إن لفظ ( القرء ) لم يستعمل في كلام الشارع إلاّ للحيض، ولم يجيء عنه في موضع واحد استعماله للطهر، فحملُه في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى، بل يتعين، فإنه عليه السلام قد قال للمستحاضة :» دعي الصلاة أيام أقرائك « وهو ﷺ المعبّر عن الله، وبلغه قومه نزل القرآن، فإذا أورد المشترك في كلامه على أد معنييه، وجب حمله في سائر كلامه عليه إذا لم يثبت إرادة الآخر في شيء من كلامه البتة، ويصير هو لغة القرآن التي خوطبنا بها، وإن كان له معنى آخر في كلام غيره، وإذا ثبت استعمال الشارع للقرء في الحيض علم أن هذا لغته فيتعين حمله عليها في كلامه، ويدل على ذلك ما في سياق الآية من قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ ﴾ وهذا هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين، وأيضاً فقد قال سبحانه :


الصفحة التالية
Icon