وتصح المراجعة بالقول مثل قوله : راجعتُ زوجتي إلى عصمة نكاحي، وبالفعل مثل التقبيل، والمباشرة بشهوة، والجماع عند أبي حنيفة ومالك، وقال الشافعي : لا رجعة إلا بالقول الصريح ولا تصح بالوطء ودواعيه، لأن الطلاق يزيل النكاح.
قال الشوكاني :« والظاهر ما ذهب إليه الأولون، لأن العدة مدة خيار، والاختيار يصح بالقول وبالفعل، وظاهر قوله تعالى :﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ﴾ وقوله ﷺ :» مُره فليراجعها « أنها تجوز المراجعة بالفعل لأنه لم يخص قولاً من فعل، ومن ادّعى الاختصاص فعليه الدليل ».
الحكم السادس : هل الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع ثلاثاً أم واحدة؟
دل قوله تعالى :﴿ الطلاق مَرَّتَانِ ﴾ على أن الطلاق ينبغي أن يكون مفرقاً مرة بعد مرة وقد اختلف العلماء في الطلاق الثلاث بلفظٍ واحدٍ هل يقع ثلاثاً أو واحدة؟
فذهب جمهور الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة إلى أنه يقع ثلاثاً، إمّا مع الحرمة، وإما مع الكراهة على حسب اختلافهم في فهم الآية الكريمة.
وذهب بعض أهل الظاهر إلى أن طلاق الثلاث في كلمة واحدة يقع واحدة، وهو قول طاووس ومذهب الإمامية وقول ( ابن تيمية ) وبه أخذ بعض المتأخرين من الفقهاء دفعاً للحرج عن الناس، وتقليلاً لحوادث الطلاق، وفراراً من مفاسد التحليل.
دليل الجمهور :
استدل الجمهور على وقوع الطلاق الثلاث بما يلي :
أولاً : إن الله تعالى جعل للطلاق حداً وأرشد الرجل إلى أن يطلق مرة بعد مرة، وجعل له فسحة في الأمر حتى لا يضيع حقه في الرجعة، فإذا تعدى الإنسان هذه الرخصة وطلّق ثلاثاً وقع طلاقه لأن له عليها طلقتين وبالثالثة تبين منه، فإما أن يجمعها أو يفرقها. والإسلام قد أرشده إلى ما هو الأفضل والأصلح، فإذا جاوز هذا إلى ما فيه تضييق عليه أخذ بجزيرة نفسه.
ثانياً : ما روي أن رجلاً جاء إلى ابن عباس فقال له : إنه طلّق امرأته ثلاثاً، قال مجاهد : فسكت ابن عباس حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال : يطلّق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول : يا ابن عباس، يا ابن عباس وإن الله تعالى يقول :﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ [ الطلاق : ٢ ] وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجاً عصيت ربك، وبانت منك امرأتك «.
ثالثاً : واستدلوا بإجماع الصحابة حين قضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأقروه عليه، ولم ينكر أحد من الصحابة وقوع الثلاث بلفظ واحد على عمر بن الخطاب فدل ذلك على الإجماع.


الصفحة التالية
Icon