معنى الإحداد : والإحداد هو ترك الزينة، والتطيب، والخضاب، والتعرض لأنظار الخاطبين، وهو إنما وجب على الزوجة وفاءٌ للزوج، ومراعاة لحقه العظيم عليها، فإن الرابطة الزوجية أقدس رباط، فلا يصح شرعاً ولا أدباً أن تنسى ذلك الجميل، وقد كانت المرأة تحد على زوجها حولاً كاملاً تفجعاً وحزناً على زوجها، فنسخ الله ذلك وجعله أربعة أشهر وعشراً.
روى البخاري ومسلم « عن أم سلمة أن امرأة قالت يا رسول الله :» إنّ ابنتي تُوفّي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال : لا، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول : لا! ثم قال : إنما هي أربعة أشهر، وقد كانت إحداكنّ في الجاهلية تمكث سنة « قالت زينب بنت أم سلمة : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً، ولبست شر ثيابها، ولم تمسّ طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تؤتى بدابة حمارٍ أو شاة فتفتضّ بها، فقلما تفتضّ بشيء إلا مات.
وقد استنبط بعض العلماء وجوب الإحداد من قوله تعالى :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ ﴾ أي من زينةٍ وتطيب، فيفيد تحريم ذلك في العدة وهو استنباط حسن دقيق، وقال بعضهم : الإحداد يكون بالتربص عن الأزواج والنكاح خاصة وهو ضعيف.
قال ابن كثير :»
والإحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب، ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحلي وغير ذلك، وهو واجب في عدة الوفاة قولاً واحداً، ولا يجب في عدة الرجعية قولاً واحداً، وهل يجب في عدة البائن فيه قولان، ويجب الإحداد على جميع الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن، سواء في ذلك الصغيرة، والآيسة، والحرة، والأمة، والمسلمة، والكافرة لعموم الآية «.
الحكم الرابع : لماذا شرعت العدة على المرأة؟
ذكر العلماء لحكمة مشروعية العدة وجوهاً عديدة نجملها فيما يلي :
أ - معرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض.
ب - للتعبد امتثالاً لأمر الله تعالى حيث أمر بها النساء المؤمنات.
ج - إظهار الحزن والتفجع على الزوج بعد الوفاة اعترافاً بالفضل والجميل.
د - تهيئة فرصة للزوجين ( في الطلاق ) لإعادة الحياة الزوجية عن طريق المراجعة.
ه - التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لا يتم إلا بانتظار طويل، ولولا ذلك لأصبح بمنزلة لعب الصبيان، يتم ثم ينفك في الساعة.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
فرض الله العدة على المسلمة، حفاظاً على كرامة الأسرة، ورعاية لها من التحلل والتفكك واختلاط الأنساب، وإحداداً على الزوج بإظهار التفجع والحزن عليه بعد الوفاة، احتراماً للرابطة المقدسة ( رابطة الزواج ) واعترافاً بالفضل والجميل لمن كان شريكاً في الحياة، وقد كانت العدة في الجاهلية حولاً كاملاً، وكانت المرأة تحد على زوجها شرّ حداد وأقبحه، فتلبس شرّ ملابسها، وتسكن شر الغُرف وهو ( الحفش ) وتترك الزينة والتطيب والطهارة، فلا تمسّ ماءًن ولا تقلّم ظفراً، ولا تزيل شعراً، ولا تبدو للناس في مجتمعهم، فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر، وأنتن رائحة، فتنتظر مرور كلب لترمي عليه بعرة احتقاراً لهذه المدة التي قضتها، وتعظيماً لحق زوجها عليها.


الصفحة التالية
Icon