﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [ الشعراء : ٨٨ - ٨٩ ] وبنزول هذه الآية انقطع الوحي، وكان ذلك آخر اتصال السماء بالأرض.
« الأدوار التي مرّ بها تحريم الربا »
من المستحسن أن نذكر هنا الأدوارالتي مرّ بها تحريم الربا، حتى ندرك سر التشريع الإسلامي، في معالجته للأمراض الاجتماعية، فنم المعلوم أن التشريع الإسلامي سار ( بسُنّة التدرج ) في تقرير الأحكام.
ولقد مرّ تحريم « الربا » بأربعة أدوار كما حدث في تحريم الخمر، وذلك تمشياً مع قاعدة التدرج :
الدول الأول : نزل قوله تعالى :﴿ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ الله وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولئك هُمُ المضعفون ﴾ [ الروم : ٣٩ ] وهذه الآية الكريمة نزلت في مكة وهي - كما يظهر - ليس فيها ما يشير إلى تحريم الربا وإنما فيها إشارة إلى بغض الله للربا، وأن الربا ليس له ثواب عند الله فهي إذن ( موعظة سلبية ).
الدورالثاني : نزل قوله تعالى :﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ ﴾ [ النساء : ١٦٠-١٦١ ] وهذه الآية مدنية، وهي درس قصه الله سبحانه علينا من سيرة اليهود الذي حرم عليهم الربا فأكلوه واستحقوا عليه اللعنة والغضب، وهو تحريم ( بالتلويح ) لا ( بالتصريح ) لأنه حكاية عن جرائم اليهود وليس فيه ما يدل دلالة قطعية على أن الربا محرّم على المسلمين. وهذا نظير ( الدور الثاني ) في تحريم الخمر ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ ومنافع لِلنَّاسِ ﴾ [ البقرة : ٢١٩ ] الآية حيث كان التحريم فيه بالتلويح لا بالتصريح.
الدور الثالث : نزل قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرباوا أضعافا مضاعفة ﴾ [ آل عمران : ١٣٠ ]. الآية وهذه الآية مدنية وفيها تحريم للربا صريح ولكنه تحريم ( جزئي ) لا ( كلي ) لأنه تحريم لنوع من الربا الذي يسمى ( الربا الفاحش ) وهو الربا الذي بلغ في الشناعة والقبح الذرة العليا، وبلغ في الإجرام النهاية العظمى، حيث كان الدَيْنُ فيه يتزايد حتى يصبح أضعافاً مضاعفة، يضعف عن سداده كاهل المستدين، الذي استدان لحاجته وضرورته وهو يشبه تحريم الخمر في المرحلة الثالثة حيث كان التحريم جزئياً لا كلياً في أوقات الصلاة