التحليل اللفظي
﴿ أَوَّلَ بَيْتٍ ﴾ : المراد به أول بيت للعبادة، فالبيت الحرام أو المساجد على وجه الأرض، وقد سئل رسول الله ﷺ عن أول مسجد وضع الناس فقال :« المسجد الحرام، ثم بيت المقدس ».
قال علي بن أبي طالب : أول بيت وضع الناس للعبادة.
قال الزمخشري : ومعنى ( وضُع للناس ) أي جُعل متعبداً لهم، فكأنه قال : إن أول متعبد للناس الكعبة.
﴿ بِبَكَّةَ ﴾ : اسم لمكة فتسمى ( مكة ) و ( بكة ) من باب الإبدال كقولهم سبد رأسه وسمده إذا حلقه، وطين لازب ولازم، وقيل :( بكة ) موضع البيت، و ( مكة ) الحرم كله.
قال ابن العربي : وإنما سميت بكة لأنها تبكّ أعناق الجبابرة، فلم يقصدها جبار بسوء إلا قصمه الله تعالى.
﴿ مُبَارَكاً ﴾ : البركة معناها الزيادة وأكثر الخير، وهي نوعان : حسية، ومعنوية.
أمّا الحسية : فهي ما ساقه الله تعالى من خيرات الأرض وبركاتها إلى أهل هذه البلاد، تجبى إليهم من أقطار الدنيا كما قال تعالى :﴿ يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ﴾ [ القصص : ٥٧ ].
وأما المعنوية : فهي توجه الناس من مشارق الأرض ومغاربها إلى هذه البلاد المقدسة، يأتون إلأيها من كل فج عميق لأداء المناسك من الحج والعمرة استجابة لدعوة الخليل ﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوى إِلَيْهِمْ ﴾ [ إبراهيم : ٣٧ ].
﴿ وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ﴾ : هدى مصدر بمعنى ( هداية ) أي أن هذا البيت العتيق هو مصدر الهداية والنور لجميع الخلق، وقيل : المعنى أنه قبلة للعالمين يهتدون به إلى جهة صلاتهم.
﴿ مَّقَامُ إبراهيم ﴾ : هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه السلام حين ارتفع بناء الكعبة وكان فيه أثر قدميه.
وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد من ﴿ مَّقَامُ إبراهيم ﴾ هو موضع قيامه للصلاة والعبادة، يقال : هذا مقامه أي الموضع الذي اختاره للصلاة فيه، وهذا قول ( مجاهد ).
قال القرطبي :« وفسّر مجاهد مقام إبراهيم بالحرم كله، فذهب إلى أن من آياته الصفا، والمروة، والركن، والمقام ».
فيكون المراد بالمقام المسجد الحرام كله.
﴿ آمِناً ﴾ : أي أمن على نفسه وماله. قال القاضي أبو يعلى : لفظه لفظ الخبر، ومعناه الأمر، وتقديره : ومن دخله فأمنوه.
وقد فسّر بعض العلماء الأمن بأن المراد منه الأمن من العذاب في الآخرة وروي في ذلك آثاراً، ولا مانع من إرادة العموم، الأمن في الدنيا، والأمن من عذاب الله.
﴿ سَبِيلاً ﴾ : استطاعةُ السبيل إلى الشيء إمكان الوصول إليه، وقد فسّرت الاستطاعة بملك الزاد والراحلة كما جاء في الحديث الصحيح.
المعنى الإجمالي
بيّن الله تعالى مكانة هذا البيت ( البيت الحرام ) وعدّد مزاياه وفضائله فهو أول بيت من بيوت العبادة وضع معبداً للناس بناه إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام ليكون مثابة للناس وأمناً، ثم بني مسجد الأقصى بعد ذلك بعدة قرون بناه « سليمان » عليه السلام، فالبيت العتيق هو أول قبلة وأول معبد على وجه الإطلاق، فليس في الأرض موضع بناه الأنبياء أقدم منه وقد عدّد الله من مزايا هذا البيت ما يستحق تفضيله على جميع المساجد وأماكن العبادة، فهو أول المساجد، وهو قبلة الأنبياء، وهو بلد الأمن والاستقرار وفيه الآيات البينات : الصفا، والمروة، وزمزم، والحطيم، والحجر الأسود، ومقام إبراهيم، وفوق ذلك فأنّ الله تعالى خصّه بخصائص فجعله مركز الهداية والنور وفرض الحج إليه، يأتيه الناس من أقطار الدنيا ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات، أفلا يكفي برهاناً على شرف هذا البيت وأحقيته أن يكون قبلة للمسلمين؟!
ذكر ( القرطبي ) في « تفسيره » عن ( مجاهد ) أنه قال :« تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة، لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة، وقال المسلمون بل الكعبة أفضل فأنزل الله هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon