. والآية الكريمة على تقديره ( خبرٌ يقصد به الأمر ) ويكون المعنى : من دخله فأمّنوه، فهو مثل قوله تعالى :﴿ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج ﴾ [ البقرة : ١٩٧ ] أي لا يرفثْ ولا يفسقْ ولا يجادل.
وهذا الرأي منقول عن حَبْر هذه الأمة ( عبد الله بن عباس ) فقد قال ابن عباس : إن جنى في الحِلّ ثم لجأ إلى الحَرَم لا يُقْتَصّ منه لكن لا يُجالس ولا يُبايع ولا يُكلّم حتى يخرج من الحرم فيقتص منه.. وهذا هو نفس مذهب الأحناف فإنهم قالوا إذا جنى ثم لجأ إلى الحرم فإنه لا يؤوي ولا يجالس ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج فيقتص منه.
وقالوا : إن الحرم له حرمة خاصة فمن لجأ إليه احتمى كما قال تعالى :﴿ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ وكما قال تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ﴾ [ العنكبوت : ٦٧ ].
ب - مذهب المالكية والشافعية : وذهب ( الشافعية والمالكية ) إلى أنّ من جنى في غير الحرم ثم لجأ إلى الحرم فإنه يقتص منه، سواءَ كانت الجناية في النفس أو غيرها. واستدلوا ببضعة أدلة منها : ما روي أن النبي ﷺ أمر بقتل بعض المشركين في الحرم، وقال عن ( ابن خطل ) اقتلوه ولو رأيتموه متعلقاً بأستار الكعبة ومنها ما ورد ( إنّ الحرم لا يجير عاصياً، ولا فاراً بخربة ولا فاراً بدم ) وأجابوا على قوله تعالى :﴿ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ قالوا هذا كان في الجاهلية لو أنّ إنساناً ارتكب كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتعرض له حتى يخرج من الحرم، وهذا من منن الله عزّ وجل على أهل تلك البلاد فقد جعل لهم الحرم مركز أمن واستقرار.. أما الإسلام فلم يزده إلا شدةً فمن لجأ إليه جانباً أقيم عليه الحد، كيف لا والإسلام دين القوة والحزم؟!
الترجيح : ولعل الرأي الثاني هو الأوجه والأرجح، لأننا لو أخذنا بالرأي الأول -على ما فيه من وجاهة - لأصبح الحرم مركزاً لاجتماع الجُناة والمجرمين، ولاختل الأمن، لأن القاتل يقتل ثم يفر من وطنه ويأتي الحرم، لأنه يعلم أنه يحميه، وبذلك تنتشر الجرائم وتكثر المفاسد والله تعالى أعلم.
الحكم الثاني : حكم حج الفقير والعبد :
الفقير لا يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة، ولكنه إذا أدى الحج سقط عنه الفرض بالإجماع، وأما العبد فإنه إذا حج هل تسقط عنه الفريضة؟
قال ( أبو حنيفة ) : يقع حجة نفلاً ويجب عليه أن يحج متى عتق، لأنه يشبه الطفل دون البلوغ فإنه إذا حج ثم بلغ سن الرشد يجب عليه حجة الفريضة، كذلك العبد إذا حج ثم عتق يجب عليه حجة الفريضة.
وقال ( الشافعي ) : يجزيه الحج قياساً على الفقير، واستدل بأنّ الجمعة لا تجب على فإذا صلاها سقط عنه الظهر، فكذلك الحج إذا أداه تسقط عنه حجة الفريضة، وهذا الرأي ضعيف فقد نقل عن النووي وهو من أئمة المذهب الشافعي ما يخالف ذلك حيث قال : إن مذهب الشافعية أن العبد إذا أحرم بالحج ثم عتق قبل الوقوف بعرفة أجزأه ذلك عن حجة الإسلام خلافاً لأبي حنيفة ومالك، أمّا إذا كان العتق بعد فوات الحج فإنه لا يجزئه، ولعل هذا هو الرأي الصحيح عند الشافعية فيكون الخلاف بين المذهبين ( شكلياً ) لا ( جوهرياً ) لأنهما متفقان على أن العتق إذا كان بعد أداء ركن وهو الوقوف بعرفة أجزأه ذلك عن حجة الإسلام خلافاً لأبي حنيفة ومالك، أمّا إذا كان العتق بعد فوات الحج فإنه لا يجزئه، ولعله هذا هو الرأي الصحيح عند الشافعية فيكون الخلاف بين المذهبين ( شكلياً ) لا ( جوهرياً ) لأنهما متفقان على أن العتق إذا كان بعد أداء ركن الحج وهو الوقوف بعرفة فإنه لا يجزئه ويجب عليه الحج مرة أخرى لأن الأول يقل نافلة.


الصفحة التالية
Icon