قال العلامة القرطبي :« إعلم أن هذا العدد ( مثنى وثلاث ورباع ) لا يدل على إباحة تسع كما قاله مَنْ بَعُد للكتاب والسنة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة، وزعم أن الواو جامعة، وعَضَد ذلك بأن النبي ﷺ نكح تسعاً وجمع بينهن في عصمته، والذي صار إلى هذه الجهالة، وقال هذه المقالة، والرافضةُ وبعض أهل الظاهر، وذهب بعضهم إلى أقبح من ذلك، فقالوا بإباحة الجمع بين ( ثمان عشرة ) وهذا كله جهل باللسان والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة والتابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع، وقد أسلم ( غيلان ) وتحته عشر نسوة فأمره عليه السلام أن يختار أربعاً منهن ويفارق سائرهن.
وقد خاطب تعالى العرب بأفصح اللغات، والعرب لا تدع أن تقول ( تسعة وتقول : اثنين وثلاثة وأربعة، وكذلك تستقبح ممن يقول : أعط فلاناً أربعة، ستة، ثمانية، ولا يقول ( ثمانية عشر ) ».
أقول : إن الإجماع قد حصل على حرمة الزيادة على أربع، وانقضى عصر المجمعين قبل ظهور هؤلاء الشذّاذ المخالفين، فلا عبرة بقولهم فإنما هو محض جهل وغباء وكما يقول الشاعر :
ومن أخذ العلوم بغير شيخ | يضل عن الصراط المستقيم |
وكم من عائب قولاً صحيحاً | وآفته من « الفهم السقيم » |
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١ - البشر جميعاً يرجعون إلى أصل واحدٍ، وينتسبون إلى أبٍ واحد، هو آدم عليه السلام.
٢ - جواز التساؤل بالله تعالى كقولهم : أسألك بالله، وأنشدك بالله.
٣ - حق الرحم عظيم ولهذا أمر الله تعالى بصلة الأرحام وعدم قطيعتها.
٤ - وجوب رعاية اليتيم والحفاظ على ماله ودفعه إليه عند البلوغ.
٥ - إباحة نكاح النساء في حدود أربع من الحرائر وبشرط العدل بينهن في القسمة.
٦ - وجوب الاقتصار على واحدة إذا خشي الإنسان عدم العدل بين نسائه.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
مسألة « تعدد الزوجات » ضرورة اقتضتها ظروف الحياة، وهي ليست تشريعاً جديداً انفرد به الإسلام، وإنما جاء الإسلام فوجده بلا قيود ولا حدود، وبصورة غير إنسانية، فنظّمه وشذّبه وجعله دواءً وعلاجاً لبعض الحالات الاضطرارية التي يعاني منها المجتمع. جاء الإسلام والرجال يتزوجون عشرة نسوة أو أكثر أو أقل - كما مرّ في حديث غيلان حين أسلم وتحته عشر نسوة - بدون حدّ ولا قيد، فجاء ليقول للرجال : إن هناك حداً لا يحل تجاوزه هو ( أربع ) وإن هناك قيداً وشرطاً لإباحة هذه الضرورة في ( العدل بين الزوجات ) فإذا لم يتحقق ذلك وجب الاقتصار على واحدة ﴿ فواحدة أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم ﴾.
فهو إذاً نظام قائم وموجود منذ العصور القديمة، ولكنه كان فوضى فنظّمه الإسلام، وكان تابعاً للهوى والاستمتاع باللذائذ، فجعله الإسلام سبيلاً للحياة الفاضلة الكريمة.