وقال بعضهم : المراد به النساء المسرفات سواءً كنّ أزواجاً أو أمهات أو بنات وهو منقول عن مجاهد والضحاك. وقيل : المراد به النساء والصبيان وهو قول الحسن وقتادة وابن عباس.
وقال آخرون : المراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال، ويدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفاً بهذه الصفة، وهذا القول أصح وهو اختيار الطبري لأن اللفظ عام والتخصيص بغير دليل لا يجوز.
قال الطبري :« إن الله جل ثناؤه عمّم، فلم يخص سفيهاً دون سفيه، فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله، صبياً صغيراً كان، أو رجلاً كبيراً، ذكراً كان أو أنثى، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله، وفساده وإفساده، وسوء تدبيره ».
الحكم الثاني : هل يحجر على السفيه؟
استدل الفقهاء بهذه الآية الكريمة على وجوب ( الحجر على السفيه ) لأنّ الله تعالى نهانا عن تسليم السفهاء أموالهم حتى نأنس منهم الرشد، ويبلغوا سنّ الاحتلام.
والحجر على أنواع : فتارة يكون ( الحجر للصغر ) فإن الصغر قاصر النظر مسلوب العبارة.
وتارة يكون ( الحجر للجنون ) فإن المجنون فاقد الأهلية في العقود لعدم العقل.
وتارة يكون ( الحجر للسفه ) كالذي يبذّر المال، أو يسيء التصرف في ماله لنقض عقله ودينه.
وتارة يكون ( الحجر للإفلاس ) كالذي تحيط الديون به ويضيق ماله عن وفائها، فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه، فكل هؤلاء يحجر عليهم للأسباب التي ذكرناها.
وقد اتفق الفقهاء على أن الصغير لا يدفع إليه ماله حتى يبلغ سنّ الاحتلام، ويؤنس منه الرشد لقوله تعالى :﴿ وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ فقد شرطت الآية شرطين : الأول : البلوغ، والثاني : الرشد وهو حسن التصرف في المال، وقال الشافعي : لا بدّ أن ينضم الصلاح في الدين، مع حسن الصلاح في المال، فالفاسق يحجر عليه عند الشافعي خلافاً لأبي حنيفة.
وسبب الخلاف يرجع إلى معنى ( الرشد ) وقد نقل ابن جرير أقوال السلف في تفسير الرشد كقول مجاهد هو ( العقل ) وقول قتادة هو الصلاح في ( العقل والدين ) وقول ابن عباس هو ( الصلاح في الأموال ) ثم قال :
« وأولى هذه الأقوال عندي في معنى الرشد ( العقل وإصلاح المال ) لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله، وحوز ما في يده عنه وإن كان فاجراً في دينه ».
أقول : ليس كل فاسق يحجر عليه لأن في الحجر إهداراً للكرامة الإنسانية، وإنما يقال : إذا كان فسقه ممّا يتناول الأموال المالية، كإتلاف المال بالإسراف في الخمور والفجور وجب الحجر عليه، وإن كان يتعلق بأمر الدين خاصة كالفطر في رمضان مثلاً فلا يجب الحجر، وهذا هو نفس ما رجحه شيخ المفسرين الطبري وأرشدت إليه الآية الكريمة بطريق الإشارة، حيث جاء لفظ الرشد منكّراً، ﴿ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً ﴾ أي نوعاً من الرشد وهو حسن التصرف في أمور المال، ولم يأت معرفاً والمقصود الأكبر في هذا الباب إنما هو الرشد الذي ينافي الإسراف في المال، فما اختاره ابن جرير قوي من هذه الوجهة والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon