﴿ أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً ﴾ [ الأنعام : ١٤٥ ] ويقال : فلان سفّاح أي سفاك للدماء، وسمى الزنى سفاحاً لأنه لا غرض للزاني إلا سفح النطفة.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : يا أيها المؤمنون لا يحل لكم أن ترثوا نكاح النساء على كره منهن، ولا أن تمنعوهن من الزواج بعد تطليقكم لهن، أو تضيقوا عليهن حتى تذهبوا ببعض ما آتيتموهن من ميراث أو صداق، إلاّ إذا أتين بفاحشة من الفواحش كالبذاءة باللسان، والنشوز على الزوج، والوقوع في المنكرات كالزنى وغيره فلكم حينئذٍ أن تعضلوهن حتى يفتدين أنفسهن منكم، لأن الله لا يحب الظلم أياً كان مصدره. ثم أمر تعالى بحسن الصحبة والمعاشرة للأزواج بالمعروف، فإذا كره الرجل زوجته فليصبر عليها، وليستمرّ في إحسانه إليها، فعسى أن يرزقه الله منها ولداً تقر به عينه، وعسى أن يكون في هذا الشيء المكروه الخير الكثير، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
وإن أردتم أيها المؤمنون نكاح امرأة مكان امرأة طلقتموها، وكنتم قد أعطيتم المطلّقة مهراً كبيراً يبلغ قنطاراً، فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه ظلماً وعدواناً؟ وكيف يباح لكم أخذه وقد استمتعتم بهن بالمعاشرة الزوجية، وبالاتصال الجنسي ( الجماع ) واستحللتم فروجهن بكلمة الله ( عقد النكاح ) فكيف تأخذون ما دفعتم لهن من المهور بعد هذا الميثاق؟ ثم بين تعالى ما يحرم على الرجال نكاحهن من المحارم، وهنّ ( المحرمات من النساء ) فبدأ بحلائل الآباء، وأبطل ما كان العرب يفعلونه في جاهليتهم من نكاح الولد لزوجة أبيه، لأنه أمر قبيح قد تناهى في القبح والشناعة، وبلغ الذروة العليا في الفظاعة والبشاعة، إذ كيف يليق بالإنسان أن يتزوج امرأة أبيه وأن يعلوها بعد وفاته وهي مثل أمه؟ ثم عدّد تعالى المحرمات بالنسب وهن ( الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت ) والمحرمات من الرضاعة وذكر منهن ( الأمهات والأخوات ) والمحرمات بالمصاهرة وهن ( أم الزوجة، وبنت الزوجة، وزوجة الابن، والجمع بين الأختين ) وأحل ما سوى ذلك من النساء كما سنوضحه بالتفصيل عند ذكر الأحكام إن شاء الله تعالى.
في الآيات السابقة من أول سورة النساء نهى الله جل ثناؤه عن كثير من عادات الجاهلية في أمر اليتامى والأموال ونكاح اليتيمات من غير صداق، وعن الظلم الذي كانو عليه في أمر الميراث حيث كانوا يحرمون المرأة والصغير من الميراث بحجة أن هؤلاء لا يستطيعون الذود عن العشيرة، ولا حمل السلاح إلى آخر ما هنالك من مظالم اجتماعية، وقد جاءت هذه الآيات الكريمة لبيان نوع آخر من الظلم كانت تتعرض له النساء في الجاهلية وهو اعتبارهن كالمتاع ينتقل بالإرث من إنسان إلى آخر، فقد كانوا يرثون زوجة من يموت منهم كما يرثون ماله، فحرّم الله ذلك وأمر بإحسان معاشرتهن وصحبتهن، ودعا إلى إنصافهن من ذلك الظلم الصارخ والعدوان المبين.


الصفحة التالية
Icon