تحقيق العلامة الشوكاني
قال الشوكاني :( وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع، وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد، ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته، ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به، كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا، حتى قال ابن عمر : إن رسول الله ﷺ أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، واللهِ لا أعلم أحداً تمتَّع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة ).
وقال ابن الجوزي :« وقد تكلف قوم من المفسّرين فقالوا : المراد بهذه الآية نكاح المتعة، ثم نسخت بما روي عن النبي ﷺ أنه نهى عن متعة النساء، وهذا تكلف لا يحتاج إليه، لأن النبي ﷺ أجاز المتعة ثم منع منها فكان قوله منسوخاً بقوله ( يعني بالسنة ) وأما الآية فإنها لا تتضمن جواز المتعة وإنما المراد بها الاستمتاع في النكاح ».
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١ - تحريم الاعتداء على النساء بالظلم والاستبداد، ووجوب الإحسان إليهن وصحبتهن بالمعروف.
٢ - الصبر على المرأة عند الكراهية، وعدم التضييق عليها حتى تفتدي نفسها بالمال.
٣ - تحريم أخذ شيء من مهر المرأة عند الطلاق بدون مسوّغ شرعي يبيحه الإسلام.
٤ - إبطال بعض عادات الجاهلية ومنها الزواج بامرأة الأب بعد الوفاة.
٥ - المحرمات من النساء اللواتي يحرمن على الرجل بالنسب، والرضاع، والمصاهرة.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
حرّم الباري جلّ وعلا نكاح المحارم من النساء سواء كانت القرابة عن طريق النسب، أو الرضاع، أو المصاهرة، وجعل هذه الحرمة مؤبدة لا تحل بحال من الأحوال، وذلك لحكم عظيمة جليلة نبينها بإيجاز فيما يلي :
أما تحريم النساء من النسب فإن الله جل ثناؤه جعل بين الناس ضروباً من الصلة يتراحمون بها، ويتعاونون على جلب المنافع ودفع المضار، وأقوى هذه الصلات صلة القرابة ولما اقتضت طبيعة الوجود ( تكوين الأسرة ) وكانت الأسرة محتاجة إلى الاختلاط بين أفرادها بسبب هذه الصلة القوية ( صلة النسب ) فلو أبيح الزواج من المحارم لتطلعت النفوس إليهن، وكان فيهن مطمع، والنفوس بطبعها مجبولة على الغيرة، فيغار الرجل من ابنه على أمه وأخته، وذلك يدعو إلى النزاع والخصام، وتفكك الأسرة، وحدوث القتل الذي يدمّر الأسرة والمجتمع.
ثم إنّ الوليد يتكون جنيناً من دم الأم، ثم يكون طفلاً يتغذى من لبنها، فيكون له مع كل مصَّة من ثديها عاطفة جديدة يستلها من قلبها، والطفل لا يحب أحداً في الدنيا مثل أمه، أفليس من الجناية على الفطرة أن يزاحم هذا الحب العظيم بين الوالدين والأولاد حب الاستمتاع بالشهوة فيزحمه ويفسده وهو خير ما في هذه الحياة؟!
ولأجل هذا كان تحريم نكاح الأمهات هو الأشد المقدم في الآية، ويليه تحريم البنات ثم الأخوات ثم العمات والخالات إلخ.