الخطاب في الآية السابقة للأزواج لقوله تعالى :﴿ واهجروهن فِي المضاجع ﴾ وهذا من حق الزوج، والخطاب هنا للحكام، فإنه تعالى لما ذكر نشوز المرأة، وأن للزوج أن يعظها ويهجرها في المضجع ويضربها، بيّن تعالى أنه إذا لم يبق بعد الضرب إلا المحاكمة إلى من ينصف المظلوم من الظالم ويتوجه حكمه عليهما وهو السلطان الذي بيده سلطة الحكم والتنفيذ.
وروي عن السُدّي أن الخطاب للزوجين. وهذا القول مرجوح.
وظاهر الأمر في قوله تعالى :﴿ فابعثوا ﴾ أنه للوجوب وبه قال الشافعي رحمه الله، لأنه من باب رفع الظُّلامات وهو من الفروض العامة الواجبة على الولاة.
الحكم الخامس : هل للحكمين أن يفرقا بين الزوجين بدون إذنهما؟
اختلف الفقهاء في الحكمين هل لهما الجمع والتفريق بدون إذن الزوجين أم ليس لهما تنفيذ أمر بدون إذنهما؟
فذهب أبو حنيفة وأحمد إلى أنه ليس للحكمين أن يفرقا إلا برضى الزوجين لأنهما وكيلان عنهما، ولا بدّ من رضى الزوجين فيما يحكمان به، وهو مروي عن ( الحسن البصري ) و ( قتادة ) و ( زيد بن أسلم ).
وذهب مالك إلى أن لهما أن يلزما الزوجين بدون إذنهما ما يريا فيه المصلحة، فإن رأيا التطليق طلّقا، وإن رأيا أن تفتدي المرأة بشيء من مالها فعلا، فهما حاكمان موليان، من قبل الإمام وينفذ حكمهما في الجمع والتفرقة وهو مروي عن ( علي ) و ( ابن عباس ) و ( الشعبي ).
وللشافعي في المسألة قولان.
وليس في الآية ما يرجح أحد الرأيين على الآخر، بل فيها ما يشهد لكلٍ من الرأيين.
فالحجة للرأي الأول : أن الله تعالى لم يضف إلى الحكمين إلا الإصلاح ﴿ إِن يُرِيدَآ إصلاحا ﴾ وهذا يقتضي أن يكون ما وراء الإصلاح غير مفوض إليهما، ولأنهما وكيلان ولا ينفذ حكمهما إلا برضى الموكل.
والحجة للرأي الثاني : أن الله تعالى سمّى كلاً منهما حكماً ﴿ فابعثوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ ﴾ والحكم هو الحاكم، ومن شأن الحاكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه رضي أم سخط.
قال الجصاص :« قال أصحابنا : ليس للحكمين أن يفرقا إلاّ أن يرضى الزوج، وذلك لأنه لا خلاف أن الزوج لو أقر بالإساءة إليها لم يفرق بينهما، ولم يجبره الحاكم على طلاقها قبل تحكيم الحكمين، وكذلك لو أقرت المرأة بالنشوز لم يجبرها الحاكم على خلع، ولا على ردّ مهرها، فكذلك بعد بعث الحكمين لا يجوز إلا برضى الزوجين » وهو اختيار الطبري.
قال الطبري :« وليس للحكمين ولا لواحد منهما الحكم بالفرقة بينهما، ولا بأخذ مال إلا برضى المحكوم عليه بذلك ».
أقول : ولعلّ الرأي الأول هو الأرجح لقوة الدليل وهذا ما اختاره الطبري رحمه الله والله أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١ - للزوج حق تأديب زوجته ومنعها من الخروج من المنزل إلا بإذنه.