اللطيفة الثالثة : التعليل بقوله تعالى :﴿ حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ﴾ فيه إشارة لطيفة إلى أن المصلي ينبغي عليه أن يكون خاشعاً في صلاته يعرف ما يقوله من تلاوة، وذكر، وتسبيح، وتمجيد، فقد نهى سبحانه السكران عن الصلاة لأنه فاقد التمييز لا يعرف ماذا قرأ؟ فإذا لم يعرف المصلي المستغرق بهموم الدنيا كم صلى، وماذا قرأ؟ فقد أشبه السكران، ولهذا ورد عن بعضهم تفسير السكر بأنه السكر من النوم والنعاس، وهو صحيح في المعنى ولكنه بعيد في التفسير لا يناسبه سبب النزول.
اللطيفة الرابعة : طريقة القرآن الكريم ( الكناية ) عمّا لا يحسن التصريح به من الألفاظ، وهذا أدب من آداب القرآن لإرشاد الأمة إلى سلوكه عند تخاطبهم، فقد كنّى عن الحدث بالمجيء من الغائط، والغائط هو المكان المنخفض من الأرض يقصده الإنسان لقضاء حاجته تستراً واستخفاءً عن الأبصار، ثم صار حقيقة عرفية في الحدث لكثرة الاستعمال، وملامسة النساء كناية عن غشيانهن ومجامعتهن، ولمّا كان لفظ الجماع لا يجمل التصريح به فقد أورده بالكناية ﴿ أَوْ لامستم النسآء ﴾.
ففي الآية الكريمة كنايتان وهما من لطيف العبارة ورائع البيان.
اللطيفة الخامسة : قال في « البحر المحيط » :« وفي الآية تغليب الخطاب، إذ قد اجتمع خطاب وغيبة فالخطاب ﴿ كُنْتُمْ مرضى ﴾ و ﴿ لامستم النسآء ﴾ والغيبة قوله :﴿ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ ﴾ وما أحسن ما جاءت هذه الغيبة لأنه لما كنّى عن الحاجة بالغائط كره إسناد ذلك إلى المخاطبين، فنزع به إلى لفظ الغائب بقوله :﴿ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ ﴾ وهذا من أحسن الملاحظات، وأجمل المخاطبات، ولمّا كان المرض والسفر ولمس النساء لا يفحش الخطاب بها جاءت على سبيل الخطاب » فتدبر هذا السر الدقيق.
اللطيفة السادسة :« روي أن الصحابة كانوا مع النبي ﷺ في بعض أسفاره، وانقطع عقد لعائشة رضي الله عنها، فأقام النبي ﷺ على التماسه والناس معه وليس معهم ماء، فأغلظ ( أبو بكر ) على عائشة وقال : حبست رسول الله ﷺ والناس وليس معهم ماء؟ فنزلت الآية، فلما صلّوا بالتيمم وأرادوا السير بعثوا الجمل فوجدوا العقد تحته »، فقال ( أسيد بن حضير ) ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، يرحمك الله يا عائشة فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيراً وفرجاً.