« خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منّا حجرٌ فشجه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه فقال : هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي ﷺ أخبر بذلك فقال : قتلوه، قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ فإنما شفاء العيّ السؤال ».
ويدل عليه أيضاً ما روي « عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي ﷺ فقال :» يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله يقول :﴿ وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ [ النساء : ٢٩ ] فضحك رسول الله ﷺ ولم يقل شيئاً « ».
قال ابن تيمية : في حديث عمرو من العلم أن التمسك بالعمومات حجة صحيحة.
بقي أنه ما الفائدة إذاً من ذكر السفر والمرض في جملة الأسباب ما دام المسافر والمريض والمقيم والصحيح، كلهم على السوء لا يباح لهم التيمم إلا عند فقد الماء؟
أجاب المفسّرون عن ذلك بأن المسافر لمّا كان غالب حاله عدم وجود الماء جاء ذكره كأنه فاقد الماء، وأما المريض فاللفظ يشعر بأن المرض له دخل في السببية والله أعلم.
الحكم الثالث : ما المراد بالملامسة في الآية الكريمة؟
اختلف السلف رضوان الله عليهم في المراد من الملامسة في قوله تعالى :﴿ أَوْ لامستم النسآء ﴾ فذهب علي، وابن عباس، والحسن إلى أن المراد به الجماع، وهو مذهب الحنفية. وذهب ابن مسعود، وابن عمر، والشعبي إلى أن المراد به اللمس باليد، وهو مذهب الشافعية.
قال ابن جرير الطبري :« وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى الله بقوله :﴿ أَوْ لامستم النسآء ﴾ الجماع دون غيره من معاني اللمس، لصحة الخبر عن رسول الله ﷺ أنه قبّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، ثم روى » عن عائشة قالت :« كان رسول الله ﷺ يتوضأ ثم يقبّل، ثم يصلي »، وعن عائشة أن رسول الله ﷺ قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قال عروة : قلتُ : من هي إلاّ أنت؟ فضحكت « ».


الصفحة التالية
Icon