[ ٦ ] جريمة القتل وجزاؤها في الإسلام
التحليل اللفظي
﴿ فَتَحْرِيرُ ﴾ : التحرير من الحرية، وهو كما قال الراغب : جعل الإنسان حراً، وإخراج العبد من الرق إلى الحرية يسمى تحريراً، والحر في الأصل : الخالص، وسمي الإنسان حراً لأنه تخلّص مما يكدّر إنسانيته، ومنه قوله تعالى :﴿ نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً ﴾ [ آل عمران : ٣٥ ] أي مخلصاً للعبادة.
الدية : ما تعطى عوضاً عن دم القتيل إلى وليه، قال في « اللسان » : الدية حق القتيل، والهاء عوض عن الواو، تقول : وديتُ القتيل أدية دية إذا أعطيت ديته.
وفي « التهذيب » : ودى فلان فلاناً إذا أدّى ديته إلى وليه، وأصل الدية ودية فحذفت الواو، كما قالوا : شيه من الوشي. وقد خصص الشرع هذا اللفظ بما يؤدى في بدل النفس، دون ما الشرع هذا اللفظ بما يؤدى في بدل النفس، دون ما يؤدي في المتلفات وبدل الأطراف.
﴿ مُّسَلَّمَةٌ ﴾ : أي مدفوعة ومؤداة إلى أهل القتيل.
﴿ يَصَّدَّقُواْ ﴾ : أي يتصدقوا عليهم بالدية فأدغمت التاء في الصاد، والمعنى إلا أن يعفوا ويسقطوا حقهم في الدية، وسمي صدقة لأنه معروف وقد قال ﷺ :« كل معروف صدقة ».
﴿ مِّيثَاقٌ ﴾ : أي عهد وذمة، قال الراغب : الميثاق عقد مؤكد بيمين وعهد.
﴿ ضَرَبْتُمْ ﴾ : الضرب له معان : منها الضرب باليد، والعصا، والسيف، ومنها الضرب في الأرض بمعنى السفر، وسمي به لأن المسافر يضرب دابته بالعصا لتسير به، أو لأنه يضرب برجليه الأرض في سيره.
ومعنى الآية : إذا سافرتم في سبيل الله لجهاد أعدائكم.
﴿ فَتَبَيَّنُواْ ﴾ : التبين طلب بيان الأمر، والمراد التأني واجتناب العجلة، ومنه البينة أي تثبتوا وتحققوا قال تعالى :﴿ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا ﴾ [ الحجرات : ٦ ].
﴿ السلام ﴾ : السّلام والسّلْم بمعنى واحد وهو إلقاء السلاح والاستسلام، ومعنى الآية : لا تقولوا لمن انقاد لكم واستسلم لست مؤمناً فتقتلوه ابتغاء متاع الدنيا.
﴿ عَرَضَ ﴾ : سمي متاع الحياة الدنيا عَرضاً لأنه عارض زائل غير ثابت، وكل شيء يقل لبثه يسمى عرضاً وفي الحديث :« الدنيا عَرضٌ حاضر، يأكل منها البر والفاجر ».
وفي « اللسان » : العَرض بالتحريك متاع الدنيا وحطامها وفي التنزيل ﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ﴾ [ الأعراف : ١٦٩ ] وعرض الدنيا ما كان من مال قلّ أو كثر.
﴿ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ﴾ : المغانم جمع مغنم وهو ما يغنمه الإنسان من عدوه، والمراد به هنا الفضل الواسع والرزق الجزيل قال الطبري : المعنى :« لا تقولوا لمن استسلم لكم فلم يقاتلكم لست مؤمناً فتقتلوه ابتغاء عرض الحياة الدنيا، فإن عند الله مغانم كثيرة من رزقه وفواضل نعمه ».
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه :« ما كان من شأن المؤمن ولا ينبغي له أن يقدم على قتل مؤمنٍ، إلا إذا وقع هذا القتل خطأ، فإذا حصل ووقع القتل بطريق الخطأ، فعلى القاتل عتق رقبة مؤمنة، ودية مسلّمة إلى أهل القتيل تدفعها عاقلته، إلاّ إذا عفوا عنه وأسقطوا الدية باختيارهم فلا تجب حينئذٍ، وإذا كان المقتول مؤمناً وأهله من أعدائهم فالواجب على قاتله عتق رقبة مؤمنة، ولا تجب الدية لأهله لأنهم أعداء محاربون، فلا يعطون من أموال المسلمين ما يستعينون به على قتالهم وأما إذا كان المقتول معاهداً أو ذمياً، فالواجب في قتله كالواجب في قتل المؤمن، دية مسلّمة إلى أهله تكون عوضاً عن حقهم، وعتق رقبة مؤمنة كفارة عن حق الله تعالى، فمن لم يجد الرقبة التي يحررها فعليه صوم شهرين قمريين متتابعين، توبة من الله على عباده المذنبين وكان الله عليماً بما يصلح الناس حكيماً في تشريعه.


الصفحة التالية
Icon