« لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن » وفي الحديث أيضاً :« من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيسٌ من رحمة الله » ولهذا أفتى ابن عباس بعدم قبول توبة القاتل.
قال صاحب « الكشاف » :« والعجب من قوم يقرؤون هذه الآية ويرون ما فيها، ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة، وقول ابن عباس يمنع التوبة، ثم يطمعون في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبةٍ ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴾ [ محمد : ٢٤ ] »؟
اللطيفة الخامسة : الخلود في جهنم لقاتل المؤمن محمول على من استحلّ قتله، أو المراد بالخلود طول المكث لأن أهل اللغة استعملوا لفظ الخلود بمعنى طول المدة والبقاء قال زهير :

ألا لا أرى على الحوادث باقياً ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا
والعرب تقول : خلّد الله ملكه، وتقول : لأخلدّن فلاناً في السجن، مع أنه لا شيء في الدنيا يدوم.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما هي أنواع القتل، وفي أيها تجب الكفارة؟
أوجب الله تعالى ( القصاص ) في القتل في آية البقرة ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] وأوجب ( الدية والكفارة ) في القتل الخطأ في الآية التي معنا، فيعلم أنّ الذي وجب فيه القصاص هو القتل العمد لا الخطأ.
ذهب مالك رحمه الله إلى أن القتل إمّا عمد، وإمّا خطأ، ولا ثالث لهما، لأنه إما أن يقصد القتل فيكون عمداً، أو لا يقصده فيكون خطأ، وقال : ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ.
وذهب جمهور فقهاء الأمصار إلى أن القتل على ثلاثة أقسام ( عمد، وخطأ، وشبه عمد ).
أما العمد : فهو أن يقصد قتله بما يفضي إلى الموت كسيفٍ، أو سكين، أو سلاح، فهذا عمد يجب فيه القود ( القصاص ) لأنه تعمد قتله بشيء يقتل في الغالب.
وأما الخطأ : فهو ضربان : أحدهما : أن يقصد رمي المشرك أو الطائر فيصيب مسلماً.
والثاني : أن يظنه مشركاً بأن كان عليه شعار الكفار فيقتله، والأول خطأ في الفعل والثاني خطأ في القصد.
وأما شبه العمد : فهو أن يضربه بعصا خفيفة لا تقتل غالباً فيموت فيه، أو يلطمه بيده، أو يضربه بحجر صغير فيموت، فهذا خطأ في القتل وإن كان عمداً في الضرب.
قال القرطبي :« وممن أثبت شبه العمد الشعبي، والثوري، وأهل العراق، والشافعي، وروينا ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما وهو الصحيح، فإن الدماء أحق ما احتيط لها إذ الأصل صيانتها، فلا تستباح إلاّ بأمر بيّن لا إشكال فيه، وهذا فيه إشكال لأنه لما كان متردداً بين العمد والخطأ حكم له بشبه العمد، فالضرب مقصود، والقتل غير مقصود، فيسقط القَود وتغلّظ الدية، وبمثل هذا جاءت السنة، روى أبو داود من حديث ( عبد الله بن عمرو ) أن رسول الله ﷺ قال :


الصفحة التالية
Icon