سبب النزول
أولاً : روى الإمام أحمد وأهل السنن عن أبي عيّاش الزّرقي قال :« كنّا مع رسول الله ﷺ بعسفان، فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلّى بنا رسول الله ﷺ الظهر، فقالوا : لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا يأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، قال : فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر ﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة ﴾ » الآية.
ثانياً : وروي أن ( طُعْمة بن أُبَيْرق ) سرق درعاً لقتادة بن النعمان، وكان الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتشر من خرق في الجراب، حتى انتهى إلى الدار ثم خبأها عند رجل من اليهود، فالتمست الدرع عند طُعمة فلم توجد عنده، وحلف مالي بها علمٌ، فقال أصحابها : بلى والله لقد دخل علينا فأخذها، وطلبنا أثره حتى دخل داره فرأينا أثر الدقيق، فلما حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهود فأخذوه، فقال : دفعها إليّ طعمة، فقال قوم طعمة : انطلقوا إلى رسول الله ﷺ وليجادل عن صحابنا فإنه بريء، فأتوه فكلّموه في ذلك فنزلت هذه الآيات ﴿ إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق ﴾.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : التعبير بقوله تعالى :﴿ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا ﴾ ليس للشرط وإنما خرج الكلام مخرج الغالب، إذ كان الغالب على المسلمين الخوف في الأسفار، ولهذا قال ( يَعْلَى بن أمية ) لعمر رضي الله عنه : ما لنا نقصر وقد أمّنا؟ فقال عمر : عجبتُ مما عجبتَ منه فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك فقال :« صدقةٌ تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ».
اللطيفة الثانية : أمر تعالى المجاهدين حين شروعهم بالصلاة بعدم طرح الأسلحة، وعبّر عن ذلك بالأخذ ( وليأخذوا أسلحتهم ) للإيذان بالاعتناء بضرورة الحذر من الكافرين، والتنبيه على ضرورة اليقظة وعدم التساهل في الأخذ بالأسباب.
اللطيفة الثالثة :« روي أن النبي ﷺ غزا محاراً مع أصحابه، فنزلوا وادياً ولا يرون من العدوّ أحداً، فوضع الناس أسلحتهم وخرج رسول الله ﷺ لحاجة له، فلما قطع طرف الوادي بصرَ به ( غورث بن الحارث ) فانحدر من الجبل وهو السيف، فلم يشعر به رسول الله ﷺ إلا وهو قائم على رأسه يقول : قتلني الله إن لم أقتلك وقد سلّ سيفه من غمدة فقال يا محمد : من يعصمك منيّ الآن؟ فقال رسول الله ﷺ : الله تعالى، فأهوى بالسيف عن رسول الله ﷺ ليضربه فزلقت رجله وسقط على الأرض، فأخذ رسول الله ﷺ السيف وقال : من يمنعك مني الآن يا غورث؟ فقال : لا أحد، كن خير آخذ فعفا عنه الرسول عليه السلام، فرجع إلى قومه فقصّ عليهم قصته فآمن بعض قومه ودخلوا في الإسلام ».