« روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله : إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين، فأمره أن يصلي ركعتين » قال ابن كثير هذا حديث مرسل.
وقال أبو حنيفة والثوري وداود : يكفي مطلق السفر سواء كان مباحاً أو محظوراً، حتى لو خرج لقطع الطريق وإخافة السبيل، وحجتهم في ذلك أن القصر فرضٌ معيَّنٌ للسفر لحديث عائشة السابق « فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيدت في الحضر وأقرت في السفر » ولم يخصّص القرآن سفراً دون سفر فكان مطلق السفر مبيحاً للقصر حتى ولو كان سفر معصية.
قال ابن العربي في « أحكام القرآن » :« وأما من قال إنه يقصر في سفر المعصية فلأنها فرضٌ معيّن للسفر فقد بينّا في كتاب » التلخيص « فساده، فإن الله سبحانه جعل في كتابه القصر تخفيفاً والتمام أصلاً، والرّخَص لا تجوز في سفر المعصية كالمسح على الخفين ».
أقول : ما ذهب إليه الجمهور من أن السفر المباح تقصر فيه الصلاة هو الأرجح لئلا نعينه على المعصية والله تعالى يقول :﴿ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان ﴾ [ المائدة : ٢ ].
الحكم الثالث : ما هو مقدار السفر الذي تقصر فيه الصلاة؟
١ - ذهب أهل الظاهر إلى أن قليل السفر وكثيره سواء في جواز القصر.
٢ - وذهب الشافعية والحنابلة والمالكية إلى أن أقله يومان، مسيرة ستة عشر فرسخاً.
٣ - وذهب الحنفية إلى أن أقله ثلاثة أيام، مسيرة أربعة وعشرين فرسخاً.
٤ - وقال الأوزاعي أقله مرحلة يوم، مسيرة ثمانية فراسخ. وقد مرت هذه الأقوال في آية الصوم مع الأدلة فارجع إليها هناك.
قال ابن العربي في الردّ على الظاهرية :« تلاعب قوم بالدين فقالوا : إنّ من خرج من البلد إلى ظاهره قصر الصلاة وأكل، وقائل هذا أعجميّ لا يعرف السفر عند العرب، أو مستخفّ بالدين، ولولا أن العلماء ذكروه ما رضيت أن ألمحه بمؤخر عيني، ولا أن أفكّر فيه بفضول قلبي، وقد كان من تقدم من الصحبة يختلفون في تقديره، فروي عن عمر، وابن عمر، وابن عباس أنهم كانوا يقدّرونه بيوم، وعن ابن مسعود أنه كان يقدّره بثلاثة أيام، يعلمهم بأن السفر كل خروج تُكلّف له وأدركت فيه المشقة ».
الحكم الرابع : كيف تصلى صلاة الخوف؟
ذهب الإمام أبو يوسف رحمه الله إلى أن ما اشتملت عليه الآية من الأحكام في صلاة الخوف، كان خاصاً بالرسول عليه السلام مع الجيش، أخذاً من ظاهر قوله تعالى :﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ ﴾.
وذهب الجمهور إلى أن صلاة الخوف مشروعة، لأن خطاب النبي ﷺ خطاب لأمته، وقد أمرنا باتباعه والتأسي به، والأئمة هم خلفاؤه من بعده يقيمون شريعته وملته، فلا موجب للقول بالخصوصية.