سبب النزول
قال ابن الجوزي رحمه الله : في سبب نزول هذه الآية قولان :
أحدهما : أن اليهود كانوا لا يسألون النبي ﷺ عن شيء من التوراة إلاّ أجابهم، فسألوه عن السحر وخاصموه به فنزلت هذه الآية، قاله أبو العالية.
والثاني : أنه لما ذكر سليمان في القرآن قالت يهود المدينة : ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ( ابن داود ) كان نبيّاً؟ والله ما كان إلا ساحراً فنزلت هذه الآية ﴿ وَمَا كَفَرَ سليمان ولكن الشياطين كَفَرُواْ... ﴾ ذكره ابن إسحاق.
وجوه القراءات
أولاً : قوله تعالى :﴿ ولكن الشياطين كَفَرُواْ ﴾.
قرأ الجمهور :( ولكنّ الشياطينَ ) بتشديد نون ( لكنّ ) ونصب نون ( الشياطين ) وقرأ حمزة والكسائي :( ولكن الشياطينُ ) بتخفيف النون من ( لكن ) ورفع نون ( الشياطين ).
ثانياً : قوله تعالى :﴿ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الملكين ﴾.
قرأ الجمهور :( المَلَكَيْن ) بفتح اللام والكاف مثنّى ( مَلَك ) وقرأ ابن عباس، وسعيد بن جبير ( الملِكَيْن ) بكسر اللام مثنىّ ( ملِك ) قال ابن الجوزي : وقراءة الجمهور أصح.
قال القرطبي : وحُكي عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ :﴿ وما أُنْزل على الملِكَيْن ﴾ يعني به رجلين من بني آدم.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ هاروت وماروت ﴾ قرأ الجمهور بفتح التاء قرأ الحسن والزهري برفعهما على تقدير ( هما هاروتُ وماروتُ ).
وجوه الإعراب
أولاً - قوله تعالى :﴿ واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين ﴾ الواو للعطف، و ﴿ واتبعوا ﴾ معطوف على قوله تعالى :﴿ نَبَذَ فَرِيقٌ ﴾ من عطف الجملة على الجملة، والضمير في ﴿ واتبعوا ﴾ لليهود، و ﴿ مَا ﴾ اسم موصول مفعول به و ﴿ تَتْلُواْ ﴾ صلة الموصول و ﴿ الشياطين ﴾ فاعل مرفوع وهو إخبار عن حالهم في اتباعهم ما لا ينبغي أن يتبّع، لأن الاتباع ليس مترتباً على مجيء الرسول، بخلاف نبذ كتاب الله فإنه مترتب على مجيء الرسول.
ثانياً - قوله تعالى :﴿ يُعَلِّمُونَ الناس السحر وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الملكين.... ﴾ جملة ﴿ يُعَلِّمُونَ الناس السحر ﴾ في محل نصب على الحال من الضمير في ﴿ كَفَرُواْ ﴾ أي كفروا معلميّن الناس السحر، وقيل : هو بدل من ﴿ كَفَرُواْ ﴾ لأن تعليم السحر كفر في المعنى و ﴿ مَآ أُنْزِلَ ﴾ اسم الموصول ﴿ مَا ﴾ معطوف على ﴿ مَا تَتْلُواْ ﴾ فهو في موضع نصب، والمعنى : اتبعوا ما تتلوه الشياطين، واتبعوا ما أُنزل على الملكين، وقيل :﴿ مَآ أُنْزِلَ ﴾ ما : نافية أي لم ينزل على الملكين، قال ابن الأنباري : وهذا الوجه ضعيف جداً، لأنه خلاف الظاهر والمعنى، فكان غيره أولى.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خلاق ﴾.
اللام في ﴿ لَمَنِ اشتراه ﴾ لام الابتداء، و ( مَنْ ) بمعنى الذي في موضع رفع لأنه مبتدأ، وخبره جملة ﴿ مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خلاق ﴾ و ﴿ مِنْ ﴾ في قوله :﴿ مِنْ خلاق ﴾ زائدة لتأكيد النفي، وتقديره : ما له في الآخرة خلاق.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : تضمنت هذه الآيات الكريمة ما كان عليه اليهود من الخبث وفساد النيّة، والسعي للإضرار بعباد الله، فالسّحر لم يُعرف إلاّ عند اليهود، فتاريخه مشتهر بظهورهم، فهم الذين نبذوا كتاب الله وسلكوا طريق السحر، وعملوا على إفساد عقول الناس وعقائدهم بطريق السحر، والشعوذة، والتضليل، وهذا يدل على أنّ اليهود أصل كل شرّ، ومصدر كلّ فتنة وقد صوّر القرآن الكريم نفسيّة اليهود بهذا التصوير الدقيق


الصفحة التالية
Icon