اللطيفة الخامسة : عبّر القرآن الكريم عن ( السحر ) ب ( الكفر ) في قوله تعالى :﴿ وَمَا كَفَرَ سليمان ﴾ وسياقُ اللفظ يدل على أن المراد منه السحر أي : وما سحر سليمان وإنما عبّر عنه بالكفر تقبيحاً وتشنيعاً، كما قال تعالى فيمن ترك الحجّ مع القدرة عليه ﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ].
وفي هذا التعبير تنفير للناس من السحر، ودلالة على أنه من الكبائر الموبقات، بل هو قرين الكفر والإشراك بالله، وقد دلّ عليه قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾.
اللطيفة السادسة : روي أنّ رجلاً تكلّم بكلام بليغ عند ( عمر بن عبد العزيز ) فقال عمر : هذا والله السّحر الحلال. ورُوي « أنّ ( الزبرقان بن بدر ) و ( عَمْر بن الأهتم ) و ( قيس بن عاصم ) قدموا على رسول الله ﷺ فقال لعَمْرو : خبّرني عن الزبرقان؟ فقال : مُطاع في ناديه، شديد العارضة، مانعٌ لما وراء ظهره.. فقال الزبرقان : هو والله يعلمُ أني أفضلُ منه، فقال عمرو : إنه زمر المروءة، ضيّق العَطَن، أحمقُ الأب، لئيم الخال.. ثم قال : يا رسول الله، صدقتُ فيهما، أرضاني أحسن ما علمتُ، وأسخطني فقلت أسوأ ما علمت، فقال عليه السلام :» إن من البيان لسحراً « ».
ورُوي أن رجلين قدما على رسول الله ﷺ فخطب أحدهما فعجب الناس من فصاحته وبلاغته فقال رسول الله ﷺ :« إنّ من البيان لسحراً » فإن قيل : كيف سمّى عليه السلام روحة البيان سحراً مع أنّ السحر مذموم عقلاً ونقلاً؟!
فالجواب : أنّ هذا على ( المجاز ) لا على ( الحقيقة ) فالخطيب يستميل القلوب بحسن بيانه وروعة أدائه، وجمال تعبيره، كما يستميل الساحر قلوب الحاضرين إليه بخفته ورشاقته وتمويهه على الحاضرين، فمن هذا الوجه سمّي البيان سحراً.
اللطيفة السابعة : فإن قيل : كيف كان الملكان يعلّمان الناس السحر مع أنه حرام، ومعتقده كافر؟!
فالجواب : أنهما ما كانا يعلمان الناس السّحر للعمل به، وإنما للتخلُّص من ضرره، والاحتراز منه، لأن تعريف الشر للزجر عنه حسن وقد قيل :
عرفتُ الشرّ لا للشرّ... لكن لتوقّيه
ومن لا يعرف الشرّ... من الناس يقع فيه
وقد قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إنّ فلاناً لا يعرف الشر، قال : أجدر أن يقع فيه. والصحيح كما قال الألوسي : أن ذلك كان للابتلاء والتمييز بين ( المعجزة ) و ( السحر ) والله أعلم.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل للسّحر حقيقة وتأثير في الواقع؟
اختلف العلماء في أمر ( السحر ) هل له حقيقة أم هو شعوذة وتخييل؟
فذهب جمهور العلماء : من أهل السنة والجماعة إلى أن السحر له حقيقة وتأثير.