قال القرطبي :« فإذا لم يجد الإطعام أو الكسوة أو عتق الرقبة صيام لقوله تعالى :﴿ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ﴾ قرأها ابن مسعود ( متتابعات ) فيقيّد بها المطلق، وبه قال أبو حنيفة والثوري، وهو أحد قولي الشافعي. واختاره المزني قياساً على الصوم في ( كفارة الظهار ).
وقال مالك والشافعي في قوله الآخر : يجزئه التفريقُ، لأن التتابع صفة لا تجب إلاّ بنص، أو قياس منصوص وقد عُدما »
.
الحكم الرابع : هل الخمر تتناول جميع المسكرات.
الخمر اسم لما خامر العقل وغطّاه من الأشربة هذا رأي جمهور الفقهاء، وقال الحنفية : الخمر خاصٌ بما كان من ماء العنب النِّيء إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، فالخمر عندهم اسم لهذا النوع فقط، وما وجد فيه مخامرة للعقل من غير هذا النوع لا يسمى خمراً وإن كان حراماً. والجمهور على أن الخمر ليست خاصة بعصير العنب، فغير ماء العنب حرام بالنص، وكل مسكر خمر لما روي عن أنس أنه قال :« حرمت الخمر وهي من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والذرة » والجميع متفقون على حرمة كل مسكر والخلاف يكاد يكون شكلياً وقد تقدم في سورة البقرة.
الحكم الخامس : هل الخمر نجسة أم أنها حرام فقط؟
فهم العلماء من تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها، والأمر باجتنابها، الحكم بنجاستها، وخالفهم في ذلك ( المزني ) صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من فقهاء الحنفية فرأوا أنها طاهرة، وأن المحرّم إنما هو شربها، وقالوا لا يلزم من كون الشيء محرماً أن يكون نجساً، فكم من محرم في الشرع ليس بنجس!
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، لأن قوله تعالى :﴿ رِجْسٌ ﴾ يدل على نجاستها، فإن الرجس في اللغة القذر والنجاسة، وقد دلّ على نجاستها أيضاً ما روي أن بعض الصحابة قالوا يا رسول الله : إنّا نمر في سفرنا على أهل كتاب يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر فماذا نصنع؟ فأمرهم عليه السلام بعدم الأكل أو الشرب منها، فإن لم يجدوا غيرها غسلوها ثم استعملوها.
فالأمر بالغسل يدل على عدم الطهارت إذ لو كانت طاهرة غير متنجسة لما أمرهم بغسلها.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١ - اليمين اللغو لا كفارة فيها وإنما تجب في اليمين المنعقدة.
٢ - لا تصح الكفارة بالصيام إلا عند العجز عن الإطعام أو الكسوة أو العتق.
٣ - الخمر والميسر من أخطر الجرائم الإجتماعية ولهذا قرنا بالأنصاب والأزلام.
٤ - العداوة والبغضاء تتولدان من جريمتي ( الخمر ) و ( القمار ).
٥- القمار مرض اجتماعي خطير يهدّم البيوت ويخرّب الأسر ويقضي على الاقتصاد.
٦ - وجوب الابتعاد عن كل ما حرّمه الله تعالى وخاصة الكبائر كالخمر والميسر.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
شدّد المولى جل وعلا في الآية الكريمة النكير على أمر ( الخمر ) و ( الميسر ) تشديداً بالغاً يضرف النفوس عنهما إلى غير عودة، وقرنهما بالأنصاب والأزلام - وهما من أشنع المنكرات، وأقبح الفواحش في نظر الإسلام - ليشير إلى ما في الخمر والميسر من ضررٍ بالغ، وخطورة عظيمة، تهدّد الأمة والمجتمع، وتقوّض دعائم الحياة.


الصفحة التالية
Icon