قال ابن العربي في « تفسير آيات الأحكام » ما نصه :
« قال علماؤنا النفل على قسمين : جائز، ومكروه - فالجائز بعد القتال كما قال النبي ﷺ يوم حنين : من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلَبُه، والمكروه أن يقال قبل القتل : من فعل كذا وكذا فله كذا.. وإنما كره هذا لأنه يكون القتال فيه للغنيمة. » قال رجل للنبي ﷺ : الرجل يقاتل للمغنم ويقاتل ليرى مكانهُ أيُّ ذلك في سبيل الله؟ قال :« من قاتل لتكن كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله » ثم قال : ويحق للرجل أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وإن نوى في ذلك الغنيمة وإنما المكروه في الحديث أن يكون مقصده المغنم خاصة « انتهى.
الحكم الثالث : هو التنفيل من أصل الغنيمة أم من الخمس؟
١ - ذهب مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى إلى أن النفل يكون من الخمس لا من رأس الغنيمة، وحجتهم في ذلك قوله ﷺ :»
ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم «.
٢ - وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن النفل يكون في أصل الغنيمة لا من الخمس... لما روي »
أن النبي ﷺ قضى بسلب أبي جهل « لمعاذ بن عمرو » وقال يوم حنين : من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه «.
قال ابن العربي : هذه الأخبار ليس فيها أكثر من إعطاء السلب للقاتل، وهل إعطاء ذلك له من رأس المال مال الغنيمة، أو من الخمس؟
ذلك إنما يؤخذ من دليل آخر وقد قسم الله الغنيمة قسمة حق على الأخماس فجعلها خمسها لرسوله وأربعة أخماسها لسائر المسلمين، والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه ما »
روي أن ( عوف بن مالك ) قال : قتل رجل من حمير رجلاً من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد - وكان والياً عليهم - فأخبر عوفٌ رسول الله ﷺ فقال لخالد : ما منعك أن تعطيه سلبه؟ قال : استكثرته يا رسول الله! قال : ادفعه إليه، فلقي « عوف » خالداً فجرّ بردائه وقال هل أنجزت ما ذكرت لك عند رسول الله ﷺ فسمعه رسول الله ﷺ فاستغضِب فقال : لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركوا لي إمْرَتي «
قال : فلو كان السلب حقاً له من رأس الغنيمة لما رده رسول الله ﷺ لأنها عقوبة في الأموال وذلك لا يجوز بحال، وقد ثبت أن - ابن المسيب - قال : ما كان الناس ينفلون إلا من الخمس.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - حرص الصحابة على السؤال عما يهمهم من أمور الدين.
ثانياً - الأحكام كلها مرجعها إلى الله تعالى وإلى رسوله الكريم.
ثالثاً - اهتمام الشارع الحكيم بإصلاح ذات البين حفظاً لوحدة المسلمين.
رابعاً - الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمنون الصادقون ليصلوا إلى حقيقة الإيمان.
خامساً - امتثال أوامر الله وطاعته في ما أمر ونهى سبب لسعادة الإنسان في الدارين.


الصفحة التالية
Icon