.. } الآية.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : أطلق القرآن الكريم على المشركين أنهم نجس، والإخبار عنهم بصيغة المصدر فيه مبالغة كأنهم صاروا عين النجاسة، وأصل التعبير ( إنما المشركون كالنجس ) لكنه حذفت منه أداة الشبه، ووجه الشبه، فأصبح ( تشبيهاً بليغاً ).
وقال بعض العلماء : المراد أنهم ذوو نجس أي أصحاب نجس فالكلام على ( حذف مضاف ) وإنما عبّر عنهم أصحاب نجس لخبث بواطنهم، وفساد عقائدهم، وإشراكهم بالله، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون.
اللطيفة الثانية : النهي عن قربان المسجد الحرام جاء بطريق المبالغة لأن الغرض نهيهم عن دخول المسجد الحرام، فإذا نهوا عن قربانه كان النهي عن دخوله من باب أولى، كما في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] وقوله ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ] فيكون النهي عن أكل مال اليتيم، وارتكاب الزنى محرماً من باب أولى.
اللطيفة الثالثة : تعليق الإغناء بالمشيئة في قوله جل وعلا :﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ ﴾ لتعليم رعاية الأدب مع الله تعالى كما في قوله تعالى :﴿ لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ ﴾ [ الفتح : ٢٧ ] وللإشارة إلى أنه لا ينبغي الاعتماد على أن المطلوب سيحصل حتماً، بل لا بدّ من التضرع إلى الله تعالى في طلب الخير، وفي دفع الآفات.
اللطيفة الرابعة : في التعبير في ختام الآية ﴿ إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ إشارة لطيفة إلى أن الغنى والفقر بيد الله تعالى، وأن الرزق لا يأتي بالحيلة والاجتهاد، بل هو راجع إلى الحكمة والمصلحة، فإن شاء الله أغنى، وإن شاء أفقر، فهو تعالى لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة ومصلحة، وممّا يروى للإمام الشافعي قدّس الله روحه قوله :
لو كانَ بالحيَلِ الغِنَى لوجدتني | بنجوم أقطارِ السّماءِ تعلّقي |
لكنّ من رَزَقَ الحجا حَرَم الغِنَى | ضدّان مفترقان أيّ تفرق |
ومن الدليل على القضاء وكونه | بؤسُ اللبيبِ وطيبُ عيشِ الأحمقِ |
قال الكرماني : نفيُ الإيمان بالله عنهم لأن سبيلهم سبيل من لا يؤمن بالله، إذ يصفونه بما لا يليق أن يوصف به جل وعلا.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما المراد بالمشركين في الآية الكريمة؟
ذهب جمهور المفسرين إلى أن لفظ المشركين خاص بعبّاد الأوثان والأصنام، لأن لفظ المشرك يتناول من اتخذ مع الله إلهاً آخر، وأن أهل الكتاب وإن كانوا كفاراً إلا أن لفظ ( المشركين ) لا يتناولهم، لأنه خاص بمن عبد الأوثان والأصنام.