وقال الشافعي : على كل رأسٍ دينار سواءٌ فيه الغني والفقير.
الترجيح أقول : ما روي عن مالك رحمه الله هو ما فرضه عمر رضي الله عنه، وقد رويت عن عمر ضرائب مختلفة أخد كل مجتهد بما بلغه، وأظن أن ذلك كان بحسب الاجتهاد، وبحسب اليسر والعسر، وقد روي أن عمر ورضع الجزية عن شيخ يهودي طعن في السن رآه يسأل الناس، وأعاله من بيت مال المسلمين، فالأمر فيه سعة، والله أعلم.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
أوجبت الشريعة الإسلامية الغراء على المسلمين قتال أهل الكفر والعدوان، ممن أبوا أن يدخلوا في دين الله، وأن ينعموا بظلال الإسلام الوارفة، وأحكامه العادلة، ويستجيبوا لدعوة الحق التي فيها الخير والسعادة لني الإنسانية جمعاء.
وقد استثنى الباري جل وعلا من قتال الكفار أهل الكتاب، فأمر بدعوتهم إلى الدخول في الإسلام فإن أبوا دفعوا الجزية، وإلاّ وجب قتالهم حتى يفيئوا إلى دين الله، ويرضوا بحكم الله جل وعلا ﴿ حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [ التوبة : ٢٩ ] والجزية هي - في الحقيقة - رمزٌ للخضوع والإذغان، رمزٌ لقبول غير المسلم بالعيش في ظل نظام الإسلام، رمزٌ لإظهار الطاعة والرضى والانقياد للدولة الإسلامية، وهي بعد ذلك تعبيرٌ عن مبدأ التعاون، بين الذميين والدولة الإسلامية ممثلة في خليفة المسلمين، بحيث لا يكون هناك خروجٌ عن الطاعة، ولا تمرد على نظام الإسلام، أو بتعبير آخر : الاستسلام لحكم الإسلام، والرضى بكل تشريعاته وأحكامه.
وإذا كان المسلم يدفع زكاة ماله كل عام لتنفق في مصارفها التي حدّدها القرآن الكريم، فإن هذا الذمي المعاهد ( اليهودي أو النصراني ) لا يكلف بدفع الزكاة، وإنما يكلف بدفع الجزية وهي مبلغ يسير زهيد، لا يزيد على ثمانية وأربعين درهماً في العام مقابل الدفاع عنه، وحمايته ونصرته، ومقابل استمتاعه بالمرافق العامة للدولة التي يعيش في كنفها، وتحت ظل حكمها، فليس الهدف إذاً من الجزية الجباية وسلب الأموال، وإنما الهدف الاطمئنان إلى رضى أهل الكتاب بالعيش في ظلال حكم الإسلام، والانقياد، والطاعة لأحكامه وأوامره، وصدق من قال :« إنّ الله لم يبعث المسلمين ليكونوا جباة وإنما بعثهم ليكونوا هداة »!!


الصفحة التالية
Icon