اللطيفة الثالثة : في قوله تعالى :﴿ فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صَوَآفَّ ﴾ إشارة لطيفة إلى أنّ الإبل لا تذبح ذبحاً وإنما تُنحر نحراً، وأنّ المطلوب عند نحرها أن تكون قائمة قد صُفّت أيديها وأرجلها، فإنّ ذلك هو الطريق الأمثل في ذبح الإبل كما وضحته السنة النبوية المطهرة.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل تطلق البُدن على الإبل والبقر؟
اتفق العلماء على أن البُدن اسم للواحد من الإبل ذكراً كان أو أنثى، فهي تطلق على الإبل باتفاق، وقد اشتهر في الشرع إطلاقها على البعير يهدى إلى الكعبة، واختلفوا هل تطلق البدنة على البقرة؟ باعتبار أنها تجزئ في الهَدْي والأضحية عن سبعة كالبعير على مذهبين :
أولاً - مذهب الحنفية : أن البدنة تطلق على البقرة كما تطلق على البعير، فهي من قبيل المشترك في المعنيين، فمن نذر بدنةً أجزأته بقرة فهي مثلها في اللفظ والحكم، وبهذا قال ( عطاء ) و ( سعيد بن المسيّب ) واستدلوا بما يلي :
١ - روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال :« كنّا ننحر البدنة عن سبعة، فقيل : والبقرة؟ قال : وهل هي إلاّ من البُدن »؟
ب - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : لا نعلم البُدن إلا من الإبل والبقر.
ثانياً - مذهب الشافعية : أما الشافعية فقالوا : لا تطلق البدن بالحقيقة إلاّ على الإبل، وإطلاقها على البقر إنما يكون مجازاً، فلو نذر بدنة لا تجزئه بقرة، وبهذا قال ( مجاهد ).
ودليلهم ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ : قال :« تجزئ البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة » قالوا : فلهذا يدل على ما قلنا لأن العطف يقتضي المغايرة.
والظاهر أن اسم البدنة حقيقة في الإبل لقوله تعالى :﴿ فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صَوَآفَّ ﴾ فالإبل هي التي تنحر واقفة بخلاف البقر فإنها تذبح ذبحاً، وقول جابر : وهل هي إلا من الإبل؟ وقول ابن عمر : لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر، فمحمولٌ على أنهما أرادا اتحاد الحكم فيهما، وهذا شيء غير اشتراك اللفظ بينهما والله أعلم.
الحكم الثاني : ما هو الأفضل في الهدي والأضاحي.
أجمع العلماء على أن الهدي لا يكون إلا من النعم ( الإبل، البقر، الغنم، الماعز ) وأن الذكر والأنثى بالنسبة للأضاحي والهدي سواءٌ، واتفقوا على أن الأفضل الإبل، ثم البقر، ثم الغنم على هذا الترتيب، لأن الإبل أنفع للفقراء لعظمها، والبقر أنفع من الشاة كذلك، وأقل ما يجزئ عن الواحد شاةٌ، والبدنةُ تجزئ عن سبعة وكذلك البقرة. واختلفوا في الأفضل للشخص الواحد :
هي يُهدي سُبْع بدنة، أو سُبْع بقرة، أو يهدي شاةً؟ والظاهر أن الاعتبار إنما يكون بما هو أنفع للفقراء، وهذا هو الأصح.


الصفحة التالية
Icon