ثانياًً - وروي أن امرأة تُدعى ( أم مهزول ) كانت من البغايا، فكانت تسافح الرجل وتشرط أن تنفق عليه، فأراد رجل من أصحاب النبي ﷺ أن يتزوجها فأنزل الله تعالى :﴿ الزانية لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾.
ثالثاً - وروي أنها نزلت في أهل الصفّة وكانوا قوماً من المهاجرين، ولم يكن لهم مساكن ولا عشائر، فنزلوا صفة المسجد وكانوا أربعمأة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ويأوون إلى الصفة بالليل وكان بالمدينة ( بغايا ) متعالنات بالفجور مخاصيب بالكسوة والطعام، فهمّ بعضهم أن يتزوجوا بهنّ. ليأووا إلى مساكنهنّ، ويأكلوا من طعامهن فنزلت هذه الآية.
لطائف التفسير
١- اللطيفة الأولى : التنكير في قوله ( سورة ) للتفخيم فكأن الله تعالى يقول : هذه سورة عظيمة الشأن جليلة القدر، لما فيها من الآداب السامية والأحكام الجليلة، قال الألوسي : وهي ( خبر ) لمبتدأ محذوف أي هذه سورة، وأشير إليها بهذه تنزيلاً لها منزلة ( الحاضر ) المشاهد وقوله تعالى :﴿ أَنزَلْنَاهَا ﴾ وما بعده صفات لها مؤكدة، لما أفاد التنكير من ( الفخامة ) من حيث الذات، بالفخامة من حيث الصفات.
٢- اللطيفة الثانية : تكرير لفظ ﴿ أَنزَلْنَا ﴾ في قوله :﴿ أَنزَلْنَاهَا ﴾ و ﴿ أَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ ﴾ لإبراز كمال العناية بشأنها، وهو يشبه ذكر الخاص بعد العام للعناية والاهتمام.
٣- اللطيفة الثالثة : قال الفخر الرازي : أنه تعالى ذكر في أول السورة أنواعاً من الأحكام والحدود وذكر في آخرها دلائل التوحيد فقوله تعالى :﴿ فَرَضْنَاهَا ﴾ إشارة إلى الأحكام، وقوله :﴿ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ إشارة إلى دلائل التوحيد ويؤيده قوله :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ فإن الأحكام لم تكن معلومة حتى يتذكروا بها. قال الألوسي : وهذا الوجه عندي حسن.
٤- اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ أصل ( لعل ) للترجي والترجي لا يليق من الله تعالى ولذلك تكون لعل هنا بمعنى ( لام التعليل ) أي لتتذكروا وتتدبروا بما فيها واستشهدوا بقول الشاعر :

فقلتم لنا كفّوا الحروب لعلّنا نكفّ ووثّقثتم لنا كل مَوثِقِ
أي كفوا الحروب لنكف، وذكر القرطبي وجهاً آخر وهو أن تبقى ( لعل ) للترجي ولكن يكون الترجي من المخلوق لا من الخالق أي رجاء منكم أن تتذكروا.
٥- اللطيفة الخامسة : فإن قيل : ما الحكمة في أن يبدأ الله في الزنى بالمأة وفي السرقة بالرجل؟ فالجواب أنَّ الزنى من المرأة أقبح، وجرمه أشنع، لما يترتب عليه من تلطيخ فراش الرجل وفساد الأنساب وإلحاق العار بالعشيرة ثم الفضيحة بالنسبة للمرأة ( بالحمل ) تكون أظهر وأدوم فلهذا كان تقديمها على الرجل.
وأما السرقة فالغالب وقوعها من الرجل لأنه أجرأ عليها وأجلد وأخطر فقدم عليها لذلك. قال القرطبي : قدمت ﴿ الزانية ﴾ في هذه الآية، من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاشٍ وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات وكن مجاهرات بذلك، وذرك وجوهاً أخرى تؤيد ما سبق.


الصفحة التالية
Icon