٥- قوله :﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ ﴾ أن الشرطية جازمة ( وكنتم ) فعل الشرط متصرفة من ( كان ) الناقصة والضمير اسمها وجملة ( تؤمنون ) من الفعل والفاعل خبرها وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي إن كنتم مؤمنين حقاً فلا تأخذكم بهما رأفة والله أعلم.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : كيف كانت عقوبة الزنى في صدر الإسلام؟
كان عقوبة الزنى في صدر الإسلام. عقوبة حفيفة موقَّتة، لأن الناس كانوا حديثي عهد بحياة الجاهلية. ومن سنة الله جل وعلا في تشريع الأحكام، أن يسير بالأمة في طريق ( التدرج ) ليكون أنجح في العلاج. وأحكم في التطبيق، وأسهل على النفوس لتتتقبل شريعة الله عن - رضى واطمئنان - كما رأينا ذلك في تحريم الخمر والربا وغيرهما من الأحكام الشرعية.
وقد كانت العقوبة في صدر الإسلام هي ما قصه الله علينا في سورة النساء في قوله جل شأنه ﴿ واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نِّسَآئِكُمْ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً * واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً ﴾ [ النساء : ١٥ - ١٦ ] فكانت عقوبة المرأة ( الحبس ) في البيت وعدم الإذن لها بالخروج منه، وعقوبة الرجل ( التأنيث والتوبيخ ) بالقول والكلام ثم نسخ ذلك بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ... ﴾ الآية. ويظهر أن هذه العقوبة كانت أو الإسلام من قبيل ( التعزير ) لا من قبيل ( الحدّ ) بدليل التوقيت الذي أشارت إليه الآية الكريمة ﴿ حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ [ النساء : ١٥ ] وقد استبدلت هذه العقوبة بعقوبة أشد هي ( الجلد ) للبكر و ( الرجم ) للزاني المحصن، وانتهى ذلك الحكم الموقت إلى تلك العقوبة الرادعة الزاجرة.
روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال :( كان نبي الله ﷺ إذا أُنزل عليه الوحي كُرِبَ لذلك وتربّد وجهه، فأنزل الله عليه ذات يوم فلقي كذلك فلما سُرِّي عنه قال خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهنَّ سبيلاً : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيبُ بالثيب جلد مائة والرجم ).
الحكم الثاني : ما هو حدُّ البكر، وحدُّ المحصن؟
فرقت الشريعة الإسلامية بين حد البكر ( غير المتزوج ) فخففّفت العقوبة في الأول فجعلتها مائة جلدة، وغلّظت العقوبة في الثاني فجعلتها الرجم بالحجارة حتى الموت، وذلك لأن جريمة الزنى بعد الإحصان ( التَّزوج ) أشد وأغلظ من الزنى المحض في نظر الإسلام فالجريمة التي يرتكبها رجل محصن من ( امرأة محصنة ) عن طريق الفاحشة أشنع وأقبح من الجريمة التي يرتكبها مع البكر لأنه قد أفسد نسب غيره ودنّس فراشه وسلك لقضاء شهوته طريقاً غير مشروع مع أنه كان متمكناً من قضائها بطريق مشروع فكانت العقوبة أشد وأغلظ.


الصفحة التالية
Icon