ج- وروى عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فقال : أوله سفاح وآخره نكاح، ومَثَلُ ذلك كمثل رجل سرق من حائطٍ ثمره، ثم أتى صاحب البستان فاشترى منه ثمرهُ، فما سرق حرام، وما اشترى حلالا.
د- وتأولوا الآية الكريمة ﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ بأنها محمولةٌ على الأعم والأغلب ومعناها أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنى والفسق لا يرغب في نكاح المؤمنة الصالحة من النساء إنما يرغب في فاسقة خبيثة مثله أو مشركة، والفاسقة الخبيثة لا يرغب في نكاحها الصالح المؤمن من الرجال وإنما يرغب فيها الذي هو من جنسها من الفسقة والمشركين فهذا على الأعم الأغلب.
وقال بعضهم إن الآية منسوخة نسختها الآية في سورة النور ﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ ﴾ [ النور : ٣٢ ] والزانية من الأيامى وسيأتي معنى ( الأيامى ) مفصلاً إن شاء الله فارجع إليه هناك والله يتولاك.
ما يرشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - القرآن دستور الأمة الإسلامية وعلى المسلمين أن يتمسكوا بتعاليمه الرشيدة.
ثانياً - التشريع لله وحده الذي شرع الأحكام لمصالح عبادة المؤمنين.
ثالثاً - الأحكام الشرعية يجب تنفيذها بدقة، وتطبيقها على الوجه الأكمل.
رابعاً - الحدودُ شرعت لحفظ الأعراض، وصيانة الأنساب، والحِفاظ على الكرامة الإنسانية.
خامساً - يجب أن تنفَّذ الحدودُ بمشهد من الناس ليرتدع أهل الفسق والفجور.
سادساً - استيفاء الحدود من واجب الحاكم المسلم لتطهير المجتمع من أدران الفاحشة.
سابعاً - الرجل والمرأة في اقتراف الفاحشة سواء فيجب أن تسوّى بينهما العقوبة.
ثامناً - الزنى جريمة دينية، وخلقية، واجتماعية، ولذلك حرَّمه الله تعالى.
تاسعاً - لايجوز تعطيل الحدود، ولا الشفاعة فيها لئلا تكثر الجرائم في المجتمع، ويختلَّ الأمن.
عاشراً - لا يليق بالمؤمن العفيف أن يتزوج بالفاسقة أو الفاجرة، كما لا يليقُ بالعفيفة أن تتزَّوج بالفاسق أو الفاجر من الرجال.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
يعتبر الزنى في نظر الإسلام جريمة من أشنع الجرائم، ومنكراً من أخبث المنكرات، ولذلك كانت عقوبته شديدة صارمة، لأن في هذه الجريمة هدراً للكرامة الإنسانية، وتصديعاً لبنيان المجتمع، وفيه أيضاً تعريض النسل للخطر، حيث يكثر ( اللقطاء ) وأولاد البغاء، ولا يكون هناك من يتعهدهم ويربيهم وينشِّئُهم النشأة الصالحة!!
ومن أهداف الشريعة الإسلامية الغراء، وأغراضها الأساسية، حفظُ الضروريات الخمس وهي ( العقل - والنسل - والنفس - والدين - والمال ) وسميت بالضروريات : أو الكليات الخمس لأن جميع الأديان والشرائع قررت حفظها، وشرعت ما يكفل حمايتها لأنها ضرورية لحياة الإنسان. ولما كان ( النسل ) هو أحد هذه الضروريات لذلك شرع الإسلام من العقوبات الصارمة الزاجرة ما يقطع دابر هذه الجريمة ويحقق الأمن والاستقرار للمجتمع.


الصفحة التالية
Icon