ب- يسقط بعفو المقذوف عن القاذف.
ج- إذا مات المقذوف قبل إقامة الحد فإنه يورث عنه، ويسقط بعفو الوارث.
ويرى بعض الفقهاء أن ( حد القذف ) فيه شائبة من حق الله. وشائبة من حق العبد، ومما لا شك فيه أن في القذف تعديّا على حقوق الله تعالى، وانتهاكاً لحرمة المقذوف، فكان في شرع الحد صيانةً لحق الله، ولحق العبد فيكون الحد مزيجاً منهما... ولعلَّ هذا الأرجح والله تعالى أعلم.
الحكم العاشر : هل تقبل شهادة القاذف إذا تاب؟
حكم القرآن على القاذف بثلاثة أحكام :
الأول : أن يجلد ثمانين جلدة.
والثاني : أن لا تقبل له شهادة أبداً.
والثالث : وصفة بالفسق والخروج عن طاعة الله تعالى.
ثم عقّب الباري جل وعلا بعد هذه الأحكام الثلاثة بما يدل على ( الاستثناء ) فقال :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ قد اختلف الفقهاء في هذا ( الاستثناء ) هل يعود إلى الجملة الأخيرة فيرفع عنه وصف الفسق ويظل مردود الشهادة؟ أم أن شهادته تقبل كذلك بالتوبة؟ على مذهبين :
أ- مذهب أبي حنيفة : أن الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة ﴿ وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ فيرفع عنه وصف الفسق إذا تاب ولكن لا تقبل شهادته. ولو أصبح أصلح الصالحين، وهذا المذهب مروي عن ( الحسن البصري والنخعي وسعيد بن جبير ) وغيرهم من فقهاء التابعين.
ب- مذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) أن الاستثناء راجع إلى الجملتين الأخيرتين ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ فإذا تاب قبلت شهادته ورفع عنه وصف الفسق وهذا المذهب مروي عن ( عطاء وطاووس ومجاهد والشعبي وعكرمة ) وغيرهم من علماء التابعين وهو الذي اختاره ابن جرير الطبري رحمهم الله أجمعين.
وهذا الاختلاف بين الفقهاء مردّه إلى قاعدة أصولية : وهي :( هل الاستثناء الوارد بعد الجمل المتعاطفة بالواو يرجع إلى الكل أو إلى الأخير ) ؟ فالشافعية والمالكية يرجعونه إلى الجميع، والأحناف يرجعونه إلى الأخير فقط والمسألة تطلب من كتب الأصول وليس هذا محل تفصيلها.
أدلة الأحناف :
استدل الأحناف على عدم قبول شهادة القاذف مطلقاً بما يلي :
أولاً : إن الاستثناء لو رجع إلى جميع الجمل المتقدمة لوجب أن يسقط عنه ( الحد ) وهو الجلد ( ثمانين جلدة )، وهذا باطل بالإجماع، فتعَيّن أن يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط.
ثانياً : إن الله تعالى قد حكم بعدم قبول شهادته على التأبيد ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ فلفظ ( الأبد ) يدل على الدوام والاستمرار حتى ولو تاب وأناب وأصبح من الصالحين، وقبول شهادته يناقض هذه الأبدية التي حكم بها القرآن.
ثالثاً : ما ورد عنه ﷺ أنه قال :« المسلمون عدول بعضهم على بعض إلاّ محدوداً في قذف » فإنه يدلّ على أن القاذف لا تقبل شهادته إذا حُدّ في القذف.


الصفحة التالية
Icon