[ ٢ ] النسخ في القرآن
التحليل اللفظي
﴿ نَنسَخْ ﴾ : النسخُ يأتي بمعنى ( الإزالة ) تقول العرب : نسخت الشمسُ الظلّ أي أزالته، ومنه قوله تعالى :﴿ فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان ﴾ [ الحج : ٥٢ ] أي يزيل ما يلقيه الشيطان.
ويأتي بمعنى ( النقل ) من موضع، ومنه قولهم : نسختُ الكتاب أي نقلت ما فيه من مكان إلى مكان أي نقلته إلى كتاب آخر، ومنه قوله تعالى :﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ الجاثية : ٢٩ ].
ويأتي بمعنى ( التبديل ) تقول : نسخَ القاضي الحكم أي بدّله وغيّره، ونسخ الشارع السورة أو الآية أي بدّلها بآية أخرى، وإليه يشير قوله تعالى :﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ﴾ [ النحل : ١٠١ ]
ويأتي بمعنى ( التحويل ) كتناسخ المواريث من واحد إلى واحد، هذا من حيث اللغة.
وأما في الشرع : فهو انتهاء الحكم المستنبط من الآية وتبديله بحكم آخر، وقد عرّفه الفقهاء والأصوليون بتعريفات كثيرة نختار منها أجمعها وأخصرها، وهو ما اختاره ابن الحاجب حيث قال رحمه الله.
« النسخ : هو رفع الحكم الشرعي، بدليل شرعيّ متأخر ».
﴿ نُنسِهَا ﴾ : نُنسها من النسيان الذي هو ضد الذكر أي نمحها من القلوب، فالنسيان بمعنى الذهاب من الذاكرة وهو مروي عن قتادة.
وقيل : من النسيان بمعنى الترك على حدّ قوله تعالى :﴿ نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٦٧ ] أي تركوا أمره فتركهم في العذاب. ومنه قوله تعالى :﴿ قَالَ كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى ﴾ [ طه : ١٢٦ ] وهو مروي عن ابن عباس.
قال ابن عباس : أي نتركها فلا نبدّلها ولا ننسخها.
وحكى الأزهري : نُنْسها : أي نأمرُ بتركها، يقال : أنسيتُه الشيء أي أمرتُ بتركه، ونسيتُه تركته، قال الشاعر :

إنّ عليّ عُقْبَة أقضيها لستُ بناسِيْها ولا مُنْسِيها
وأما قراءة ( نَنْسَأها ) بالهمز، فهو من النسأ بمعنى التأخير، ومنه قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا النسياء زِيَادَةٌ فِي الكفر ﴾ [ التوبة : ٣٧ ] ومنه سمي بيع الأجل نسيئة.
وقال أهل اللغة : أنسأ الله أجله، ونسأ في أجله، أي أخرّ وزاد.
قال الألوسي :« وقرئ ( ننسأها ) وأصلها من نسأ بمعنى أخّر، والمعنى نؤخرها في اللوح المحفوظ فلا ننزلها، أو نُبعدها عن الذهن بحيث لا يتذكر معناها ولا لفظها، وهو معنى ( نُنْسها ) فتتحّد القراءتان ».
﴿ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ﴾ : أي بأفضل منها، ومعنى فضلها : سهولتها وخفتها.
والمعنى : نأت بشيء هو خير للعباد منها، أو أنفع لهم في العاجل والآجل.
قال القرطبي : لفظة « خير » هنا صفة تفضيل، والمعنى بأنفع لكم أيها الناس في عاجل إن كانت الناسخة أخف، وفي آجل إن كانت أثقل، وبمثلها إن كانت مستوية.
﴿ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ : الوليّ معناه القريب والصديق، مأخوذ من قولهم : وليتُ أمر فلان أي قمتُ به، ومنه وليّ العهد : أي القيّم بما عهد إليه من أمر المسلمين.
والنصيرُ : المعين مأخوذ من قولهم : نصره إذا أعانه.


الصفحة التالية
Icon