والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لأن اللعان يوجب الحرمة المؤبدة كما دلت بذلك الآثار سواء أكذب نفسه أم لا والله أعلم.
الحكم العاشر : هل يلحق ولد اللعان بأمه؟
إذا نفى الرجل ابنه وتم اللعان بنفيه له انتقى نسبه من أبيه وسقطت نفقته عنه، وانتفى التوارث بينهما ولحق بأمه فهي ترثه وهو يرثها لحديث ( عمرو بن شعيب ) :« وقضى رسول الله ﷺ وفي ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه، ومن رماها به جلد ثمانين » ويؤيد هذا الحديث الأدلة الدالة على أن الولد للقراش ولا فراش هنا لنفي الزوج إياه.. وأما من رماها به اعتبر قاذفاً وجلد ثمانين جلدة لأن ( الملاعِنة ) داخلة في المحصنات ولم يثبت عليها ما يخالف ذلك فيجب على من رماها بابنها حد القذف ومن قذف ولدها يجب حده كمن قذف أمه سواء بسواء...
أما بالنسبة للأحكام الشرعية فإنه يعامل كأنه أبوه من باب الاحتياط فلا يعطيه زكاة المال، ولو قتله لا قصاص عليه، ولا تجوز شهادة كل منهما للآخر، ولا يعد مجهول النسب فلا يصح أن يدعيه غيره، وإذا أكذب نفسه ثبت نسب الولد منه ويزول كل أثر اللعان بالنسبة للولد.
وروى الإمام الفخر عن الشافعي رحمه الله أنه قال : يتعلق باللعان خمسة أحكام :( درء الحدّ، ونفي الولد، والفرقة، والتحريم المؤبّد، ووجوب الحدّ عليها )، وكلها تثبت بمجرد لعانه، ولا تفتقر إلى حكم الحاكم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١- إذا قذف الرجل زوجته ولم تكن لديه بينة فإمّا أن يُحدّ أو يلاعن.
٢- لا يجري اللعان في اتهام غير الزوجة من المحصنات لأنه خاص بالزوجين.
٣- تشريعُ اللعان لمصلحة الزوجين يبرئ الزوج من ( حد القذف ) والزوجة من ( حدّ الزنى ).
٤- لا بدّ في المُلاَعَنَة أن تكون خمس مرات بالصيغة المذكورة في القرآن الكريم.
٥- ينبغي تغليظ أمر « اللّعان » بالزمان والمكان وحضور جمع من المسلمين.
٦- اللّعانُ يوجب ( الحُرْمة المؤبّدة ) بين الزوجين، فلا ترجع للزوج بحالٍ من الأحوال.
٧- تخصيص الرجل باللعنة، وتخصيص المرأة بالغضب، للتفريق بين نفسيّة الزوجين.
٨- الله واسع المغفرة، عظيم الفضل والمِنّة، لولا ستره على العباد لعذّبهم وأهلكهم.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
شرع الحكيم العليم ( اللعان ) لحكمة جليلة سامية، هي من أدق الحكم وأسماها في صيانة المجتمع، وتطهير الأسرة، ومعالجة المخاطر والمشاكل التي تعترض طريق ( الحياة الزوجية ) وما يهددها من متاعب وعقبات.
وعالج القرآن بهذا التشريع الدقيق ناحية من اخطر النواحي التي يمكن أن يجابهها الإنسان في حياته الواقعية الأليمة، حين يبصر بعينه ( جريمة الزنى ) ترتكب في أهل بيته فلا يستطيع أن يتكلم، ولا أن يجهر، لأنه ليس لديه بينة تثبت ذلك، ولا يستطيع أن يقدم على القتل ( لغسل العار ) لأن هناك القصاص ويبقى ذاهلاً، مشتتاً، محتاراً، كيف يصنع!! أيترك عرضه ينتهك وشرفه يُلوّث، وفراشه يدنّس، ثم يغمض عينيه خشية الفضيحة أو خوف العار؟ أم يقدم على الانتقام من زوجة الخائن، وذلك اللص الماكر، شريكها في الخيانة والإجرام فيكون سبيله العقاب والقصاص؟!
إنها حالات من الضيق النفسي والقلق والاضطراب لا يملك المرء لها دفعاً ولا يدري ماذا يصنع تجاهها وهو يعاني هذه الأزمة النفسية الخائفة؟! وتشاء حكمة الله أن تقع مثل هذه الحوادث في أفضل العصور ( عصر النبوة ) وبين أطهر الأقوام ( صحابة الرسول ) والقرآن ينزل والوحي يتلى، ليكون درساً عملياً تربوياً يتلقاه المسلمون بكل قولة، وصلابة عزم.


الصفحة التالية
Icon