﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [ هود : ١١٧ ].
سبب النزول
أولاً : روى السيوطي عن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال : كنت مملوكاً لحويطب بن عبد العزى، فسألته الكتاب فأبى فأنزل الله ﴿ والذين يَبْتَغُونَ الكتاب مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم فَكَاتِبُوهُمْ ﴾ [ النور : ٣٣ ]. الآية.
قال القرطبي : بعد أن ذكر القصة : فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين ديناراً فأداها، وقتل بحنين في الحرب.
ثانياً : وروى مسلم في « صحيحه » عن جابر بن عبد الله أن جارية لعبد الله بن أبي يقال لها ( مُسَيْكة ) وأخرى يقال لها ( أمَيْمة ) وكان يريدهما على الزنى فشكتا ذلك إلى النبي ﷺ فأنزل الله ﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغآء ﴾ الآية.
وروي أن عبد الله بن أبيّ بن سلول كان يكرههما على الزنى ويضربهما فقالت إحداهما : إن كان خيراً فقد استكثرنا منه، وإن كان شراً فقد آن لنا أن ندعه فنزلت الآية.
ثالثاً : وروى ابن جرير عن مجاهد أنه قال :( كانوا يأمرون ولائدهم يباغين يفعلن ذلك فيصبن فيأتينهم بكسبهن فكانت لعبد الله بن أبيّ سلول جارية فكانت تباغي فكرهت وحلفت ألا تفعله فأكرهها أهلها فانطلقت فباغت ببرد أخضر فأتتهم به فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغآء... ﴾ الآية.
وقال مقاتل : إنها نزلت في ست جوار كنّ لعبد الله بن أبيّ ( معاذة، ومسيكة، وأميمة، وقتيلة، وعمرة، وأروي ) فكان يأمرهن بالزنى ليستدرّ من ورائهن المال. فنزلت الآية الكريمة، وكل الروايات ذكرت أن الذي كان يكرههنَّ هو عبد الله بن أُبَيّ بن سلول رأس المنافقين.
وجه الارتباط بالآيات السابقة
في الآيات السابقة حذر الله جل ثناؤه من مقارفة الفواحش وارتكاب الموبقات فنهى عن الزنى ودواعيه القريبة والبعيدة، من النظر إلى النساء، والاختلاط بهن، وكشف العورات، وإبداء الزينة، ودخول البيوت بغير استئذان. وغير ذلك مما يدعو إلى الفساد وضياع الأخلاق والوقوع في المهالك، وفي هذه الآيات الكريمة رغب المولى جل وعلا في النكاح وأمر بالإعانة عليه وتسهيل سبله، لأن النكاح من خير ما يحقق العفة، ويعصم المؤمن من الزنى، ويبعده عن آثامه وهو الطريق الوحيد لبقاء النوع الإنساني. وبناء المجتمع الفاضل ولهذا وردت هذه الآيات الكريمة تحثُّ على إعفاف الشباب والفتيات عن طريق الزواج. وتدعو إلى تذليل كل العقبات التي تعترض طريق الزواج سواء كانت هذه العقباتُ مالية، أو غير مالية. وهذا وجه الارتباط بين الآيات الكريمة. والله أعلم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قال تعالى :﴿ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ﴾ فيه إشارة إلى قيمة التقى والصلاح في الإنسان. فلا يكرم الإنسان لماله أو جاهه، وإنما يُكرَّم لدينه وصلاحه كما قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon