« إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ».
الحكم الثاني : هل الزواج واجب أو مستحب؟
اختلف الفقهاء في حكم الزواج على مذاهب نبينها فيما يلي :
أ- مذهب الظاهرية : أن الزواج واجب، ويأثم الإنسان بتركه.
ب- مذهب الشافعية : أن الزواج مباح ولا إثم بتركه.
ج- مذهب الجمهور ( المالكية والأحناف والحنابلة ) : أن الزواج مستحب ومندوب وليس بواجب.
دليل الظاهرية : استدل أهل الظاهر بأن الصيغة وردت بلفظ الأمر ( وانكحوا ) والأمر للوجوب فيكون النكاح واجباً، وبأن الزواج طريق لإعفاف النفس عن الحرام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فيأثم تاركه.
دليل الجمهور : واستدل الجمهور من علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن الزواج ليس بواجب وأنه مندوب بعدة أدلة نوجزها فيما يلي :
أ- لو كان الزواج واجباً لكان النقل عن النبي ﷺ وعن السلف شائعاً مستفيضاً لعموم الحاجة إليه، ولما بقي أحد لم يتزوج في عهد الرسول ﷺ أو عهد الصحابة، فلما وجدنا في عصره عليه السلام وسائر الأعصار بعده ( أيامى ) من الرجال والنساء لم يتزوجوا ولم ينكر عليهم رسول الله ﷺ ذلك دل على أنه ليس بواجب.
ب- لو كان الزواج واجباً لكان للولي إجبار الثيب على الزواج مع أن الإخبار غير جائز شرعاً لقوله عليه السلام :« ولا تُنْكَح الثيب حتى تستأمر » أي تأمر وترضى بالزواج.
ج - قال الجصاص :( ومما يدل على أنه على الندب اتفاق الجميع على أنه لا يجبر السيد على تزويج عبده وأمته وهو معطوف على ( الأيامى ) فدل على أنه مندوب في الجميع ).
د- قوله عليه السلام :« من أحب فطرتي فليستن بسنتي وإن من سنتي النكاح ».
ه - قوله عليه السلام :« تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ».
دليل الشافعي : واستدل الإمام الشافعي على أن النكاح مباح بانه قضاء لذة ونيل شهوة فكان مباحاً كالأكل والشرب.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أنّ الزواج مندوب للحديث الصحيح :« من رغب عن سنتي فليس مني ».
واعلم أن هذا الاختلاف إنما هو في الحالات العادية التي يأمن فيها الإنسان على نفسه من اقتراف المحارم، أما إذا خشي على نفسه الوقوع في الزنى، فإنه لا خلاف في أن النكاح يصبح عليه ( واجباً ) لأن صيانة النفس وإعفافها عن الحرام واجب فيتعين عليه الزواج.
قال القرطبي : قال علماؤنا : يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المؤمن من خوف العنت ( الزنى )، ومن عدم صبره، ومن قوته على الصبر، وزوال خشية العنت عنه.


الصفحة التالية
Icon