وقال أبو السعود : والخطاب إما للرجال خاثة، والنساءُ داخلات في الحكم بدلالة النص أو ( للفريقين ) جميعاً بطريق التغليب.
أقول : اختار بعض المفسرين رأياً آخر خلاصته : أن قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين ءَامَنُواْ ﴾ ليس خطاباً للذكور بطريق التغليب وإنما هو خطاب لكل من اتصف بالإيمان رجلاً كان أن امرأة فيدخل فيه ( الرجال والنساء ) معاً ويكون المعنى يا من اتصفتم بالإيمان وصدقتم الله ورسوله ليستأذنْكم في الدخول عليكم عبيدكم وإماؤكم.. إلخ، ولعل هذا الرأي أوجه فكل نداء بالإيمان يراد منه الوصف فيشمل الذكور والإناث والله أعلم.
الحكم الثاني : ما المراد بقوله :﴿ مَلَكَتْ أيمانكم ﴾ في الآية الكريمة؟
المراد به ( العبيد والإماء ) وظاهر قوله تعالى :﴿ الذين مَلَكَتْ أيمانكم ﴾ أن الحكم خاص بالذكور، سواء أكانوا كباراً أم صغاراً، وبهذا الظاهر قال ابن عمر ومجاهد.
والجمهور على أنه عام في ( الذكور والإناث ) من الأرقاء الكبار منهم والصغار وهو الصحيح الذي اختاره الطبري وجمهور المفسرين.
فكما أن الأطفال الصغار لا يحسن دخولهم بدون استئذان على الكبار في أوقات الخلوة، فكذلك لا يحسن دخول الخادم الأنثى، لأن هذه الأوقات أوقات تكشُّف في الغالب، والإنسان كما يكره اطلاع الذكور على أحواله فقد يكره اطلاع النساء عليها كذلك.
قال ابن جرير الطبري : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال عني به ( الذكور والإناث ) لأن الله عمّ بقوله ﴿ الذين مَلَكَتْ أيمانكم ﴾ جميع أملاكِ أيماننا ولم يخصص منهم ذكراً ولا أنثى فذلك على جميع من عمّه ظاهر التنزيل.
الحكم الثالث : كيف يخاطب الصغار ولا تكليف قبل البلوغ؟
الخطاب وإن كان ظاهره للصغار الذين لم يبلغوا الحلم، إلا أنَّ المراد به الكبار، فقد أمر الله الرجال أن يعلِّموا مماليكهم وخدمهم وصبيانهم، ألاّ يدخلوا عليهم إلا بعد الاستئذان، فهو في ( الظاهر ) متوجه للصغار وفي ( الحقيقة ) للمكلفين الكبار، مثل قوله ﷺ :« مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر » وكقولك : للرجل : لِيَخَفْك أهلُكَ وولَدُك، فظاهر الأمر لهم وحقيقةً الأمر له بفعل ما يخافون عنده.
الحكم الرابع : هل الاستئذان على سبيل الوجوب أو الندب؟
ظاهر الأمر في قوله تعالى :﴿ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ﴾ أنه للوجوب وبهذا الظاهر قال بعض العلماء. والجمهورُ على أنه أمر ( استحباب وندب ) وأنه من باب ( التعليم والإرشاد ) إلى محاسن الآداب. فالبالغُ يستأذنُ في كلّ وقت، والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث.
وقد رُويَ عن ابن عباس أنه قال :( آيةٌ لا يؤمنُ بها أكثر الناس : آية الإذن، وإني لآمر جاريتي أن تستأذن علي ) وأشار إلى جارية عنده صغيرة.
والآية محكمة لم ينسخها شيء على رأي الجمهور، وزعم بعضهم أنها منسوخة لأن عمل الصحابة والتابعين في الصدر الأول كان جارياً على خلافه. وقال آخرون : إنما كان هذا في العصر الأول لأنه لم تكن لهم أبواب تغلق ولا ستور تُرْخى واستدلوا بما رواه عكرمة أن نفراً من أهل العراق قالوا : يا ابن عباس : كيف ترى هذه الآية التي أُمِرْنا فيها بما أُمِرْنا، ولا يعمل بها أحد؟ قوله تعالى :{ ياأيها الذين ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ.


الصفحة التالية
Icon