ألم تسأل فتخبرْك الدّيارُ | عن الحيّ المضلّل أين ساروا |
وقال بعض المفسّرين : الأولى أن يُحمل ﴿ المغضوب عَلَيْهِم ﴾ على كلّ من أخطأ في الأعمال الظاهرة وهم الفُساق، ويُحمل ﴿ الضالّون ﴾ على كل من أخطأ في الاعتقاد، لأنّ اللفظ عامٌ، والتقييد خلاف الأصل، والمنكرون للصانع والمشركون أخبثُ ديناً من اليهود والنّصارى، فكان الاحتراز عن دينهم أولى، وهذا اختيار الإمام الفخر.
وقد ردّه الألوسي لأن تفسير المغضوب عليهم والضالين ب ( اليهود والنصارى ) جاء في الحديث الصحيح المأثور فلا يُعتد بخلافه.
وقال القرطبي :« جمهور المفسّرين أن المغضوب عليهم اليهود، والضالين النصارى، وجاء ذلك مفسّراً عن النبي ﷺ في حديث ( عديّ بن حاتم ) وقصة إسلامه ».
وقال أبو حيان : وإذا صحّ هذا عن رسول الله ﷺ وجب المصير إليه.
أقول : ما ذكره الفخر الرازي ليس فيه ردّ للمأثور، بل إنّه عمّم الحكم فجعله شاملاً لليهود والنصارى ولجميع من انحراف عن دين الله، وضلّ عن شرعه القويم، حيث يدخل في اللفظ جميع الكفّار والمنافقين، وإليك نصّ كلام الإمام « الفخر ».
قال رحمه الله :« ويحتمل أن يقال المغضوب عليهم هم الكفّار، والضّالون هم المنافقون، وذلك لأنه تعالى بدأ بذكر المؤمنين والثناء عليهم في خمس آياتٍ من أوّل البقرة، ثم أتبعه بذكر الكفار، ثمّ أتبعه بذكر المنافقين، فكذا هنا بدأ بذكر المؤمنين وهو قوله :﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ ثم أعقبه بذكر الكفار وهو قوله ﴿ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم ﴾ ثمّ أتبعه بذكر المنافقين وهو قوله :﴿ وَلاَ الضآلين ﴾.
آمين : كلمة دعاء وليست من القرآن الكريم إجماعاً، بدليل أنها لا تكتب في المصحف الشريف، ومعناها : استجب دعاءنا يا رب.
قال الألوسي : ويُسنّ بعد الختام أن يقول القارئ ( آمين ) لحديث أبي ميسرة » أنّ جبريل أقرأ النبي ﷺ فاتحة الكتاب، فلما قال :﴿ وَلاَ الضآلين ﴾ قال له : قل : آمين فقال آمين «.
قال ابن الأنباري : وأمّا ( آمين ) فدعاء، وليس من القرآن، وهو اسم من أسماء الأفعال ومعناه : اللهمّ استجب، وفيه لغتان : القصرُ ( أمين ) والمدّ ( آمين ) فالأول على وزن ( فعيل ) والثاني على وزن ( فاعِل ).
قال الشاعر :
يا ربّ لا تسلُبَنّي حبها أبدَاً | ويرحمُ اللهُ عبداً قال آميناً |
غيظ العِدَى من تساقينا الهَوَى فَدَعَوْا... بأن نَغَصَّ فقال الدهر : آمِنا
المعنى الإجمالي
علّمنا الله - تقدّست أسماؤه - كيف ينبغي أن نحمده ونقدّسه، ونثني عليه بما هو أهله، فقال ما معناه : يا عبادي إذا أردتم شكري وثنائي فقولوا : الحمد لله رب العالمين، اشكروني على إحساني وجميلي إليكم، فأنا الله ذو العظمة والمجد والسؤدد، المتفرد بالخلق والإيجاد، ربّ الإنس والجن والملائكة، وربّ السماوات والأرضين، وأنا الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، وعمّ فضله جميع الأنام، فالثناء والشكر لله رب العالمين، دون ما يعبد من دونه، بما أنعم على عباده من الخلق والرزق وسلامة الجوارح، وهداية الخلق إلى سعادة الدنيا والآخرة، فهو السّيّد الذي لا يبلغ سؤدده أحد، والمصلح أمر عباده بما أودع في هذا العالم من نظام، يرجع كلّه بالمصلحة على عالم الإنسان والنبات والحيوان، فمن شمسٍ لولاها ما وجدت حياة ولا موت، ومن غذاءٍ به قوام البشر، ومياه بها حياة النبات والحيوان، وأنا المالك للجزاء والحساب، المتصرف في يوم الدين، تصرّف المالك في ملكه، فخصوني بالعبادة دون سواي، وقولوا لك اللهمّ نذلّ ونخضع، ونستكين ونخشع، ونخصّك بالعبادة، ولا نعبد أحداً سواك، وإيّاك ربّنا نستعين على طاعتك ومرضاتك، فإنك المستحقّ لكل إجلال وتعظيم، ولا يملك القدرة على عوننا أحد سواك.