ودليلهم أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بالصحبة لهما بالمعروف فقال ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً ﴾ وليس من المعروف أن يقتص من الوالد للولد، ولا أن يحبس في دينه، ولا أن يحدّ إذا قذفه لأن ذلك كلّه مما يتنافى مع صحبتهما بالمعروف. ولأنهما كانا سبباً في حياته، فلا يصح أن يكون الولد سبباً في إهلاك والديه. وقد جاء في الحديث ما يؤيد هذا حيث قال ﷺ « لا يقاد للولد من والده ».
الحكم الرابع : هل تلزم طاعة الوالدين في الأمور المحظورة؟
قال العلامة القرطبي :( إن طاعة الأبوين لا تراعى في ارتكاب كبيرة، ولا في ترك فريضة وتلزم طاعتهما في المباحات، ونقل عن ( الحسن ) أنه قال : إن منعته أُمّه من شهود صلاة العشاء شفقةً فلا يطعها ).
ثم قال : والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق. وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي ﷺ وقد قدمت عليها أمها من الرضاعة فقالت :« يا رسول الله إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة أفأصلها؟ قال : نعم ».
وهذه الأحكام استنبطها العلماء من قوله تعالى :﴿ وَإِن جاهداك على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ﴾ فكما تحرم طاعة الوالدين في الشرك تحرم في كل معصية، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وهذا المعنى قد سَنّه الخليفة الراشد ( أبو بكر ) رضي الله عنه في خطبته الأولى حين تولى الخلافة على المؤمنين. فكان فيما قال :
( أما بعد. أيها الناس : إني قَدْ وُلّيتُ عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني وإن أسأتُ فقوِّموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيتُه فلا طاعة لي عليكم ).
الحكم الخامس : هل يصح سلوك طريق غير المؤمنين؟
ظاهر قوله تعالى :﴿ واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ ﴾ وجوب الاقتداء بالسلف الصالح وسلوك طريق المؤمنين، وتحريم السير في اتجاه يخالف اتجاههم كطريق المنافقين والكافرين. وقد صرّح بهذا المعنى في قوله تعالى :﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين نُوَلِّهِ مَا تولى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً ﴾ [ النساء : ١١٥ ]. فلا بدّ من الانضواء تحت رأية أَهل التوحيد والإيمان واتباع سبيلهم، فالخير كله في الاقتداء بهم، والسير على منوالهم. ولقد أحسن من قال :

فكلّ خيرٍ في اتباع من سَلَف وكلّ شرٍّ في ابتداعِ من خلَف
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١- الحكمة هبة إليهة لا تنال إلا بطريق التقوى والعمل الصالح.


الصفحة التالية
Icon