لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : نادى الله تعالى نبيّه بلفظ النبوة ﴿ ياأيها النبي ﴾ كما ناداه جلّ ثناؤه بوصف الرسالة ﴿ ياأيها الرسول ﴾ [ المائدة : ٤١ ] ونداءُ اللَّهِ تعالى لنبيّه الكريم بلفظ ( النبوة ) أو وصف ( الرسالة ) فيه تعظيم لمقام الرسول ﷺ وفيه إشارة إلى أفضليته عليه السلام على جميع الأنبياء. كما فيه تعليم لنا الأدب معه، فلا نذكره إلاّ بالإجلال والإكرام، ولا نصفه إلاّ بما يدل على التوقير والتعظيم ﴿ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً... ﴾ [ النور : ٦٣ ].
قال أبو حيان في تفسيره « البحر المحيط » ما نصُّه :
« نداء النبي ﷺ ب ( يا أيها النبي ) ( يا أيها الرسول ) هو على سبيل التشريف والتكرمة، والتنويه بمحلّه وفضيلته، وجاء نداء غيره باسمه كقوله : يا آدم، يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا داود، يا عيسى.. وحيث ذكره على سبيل الإخبار عنه بأنه رسوله، صرّح باسمه فقال :﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله ﴾ [ الفتح : ٢٩ ] ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ ﴾ [ آل عمران : ١٤٤ ] أعلم أنّه رسوله، ولقّنهم أن يسمّوه بذلك.
وحيث لم يقصد الإعلام بذلك جاء اسمه كما جاء في النداء - يعني بوصف النبوة أو الرسالة - كقوله تعالى :﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] وقوله :﴿ وَقَالَ الرسول يارب ﴾ [ الفرقان : ٣٠ ] وقوله :﴿ النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [ الأحزاب : ٦ ].
اللطيفة الثانية : فإن قيل : ما الفائدة في أمر الله تعالى رسوله بالتقوى، وهو سيّد المتقين؟!
فالجواب أنه أمرٌ بالاستدامة على التقوى كقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ ﴾ [ النساء : ١٣٦ ] أي أثبتوا على الإيمان، وقوله :﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾ [ الفاتحة : ٦ ] بمعنى ثبتنا على الصراط المستقيم.
وقيل : إن الأمر خطاب للرسول ﷺ موجه إليه في الظاهر. والمراد به أمته، بدليل صيغة الجمع التي ختمت بها الآية الكريمة ﴿ إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾.
قال الإمام الفخر رحمه الله :» الأمرُ بالشيء لا يكون إلاّ عند عدم اشتغال المأمور، بالمأمور به، إذ لا يصلُح أن يقال للجالس : اجلس، وللساكت : اسكت، والنبيّ عليه السلام كان متقياً لله فما الوجه فيه؟ فالجواب من وجهين :
أحدهما : أنه أمر بالمداومة، فإنه يصح أن يقول القائلُ للجالس : اجلس هاهنا إلى أن أجيئك، ويقول الفائلُ للساكت : قد أصبتَ فاسكتْ تسلَمْ، أي دمْ على ما أنتَ عليه.
والثاني : أن النبيّ عليه السلام كلّ لحظة كان يزداد علمثه ومرتبتُه، فكان له في كل ساعة تقوى متجدّدة. فقوله :( اتق الله ) يراد منه الترقي الدائم، فحاله فيما مضى كأنه بالنسبة إلى ما هو فيه ترك للأفضل، فناسب الأمر به ﷺ بالتقوى.
اللطيفة الثالثة : السرّ في تقديم القلبين في قوله تعالى :﴿ مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ ﴾ على بقية الأمور التي كان يعتقد بها أهل الجاهلية، هو أنه بمثابة ضرب مثل، والمثلُ ينبغي أن يكون أظهر وأوضح فهناك أمور ثلاثة باطلة هي من مخلّفات الجاهلية، فكونُ الرجل له قلبان أمر لا حقيقة له في الواقع، وجعلُ ( المُظَاهَر ) منها أمّاً أو كالأم في الحرمة المؤبدة من أمر لا حقيقة له في الواقع، وجعلُ ( المُظَاهَر ) منها أمّاً أو كالأم في الحرمة المؤبدة من مخترعات الجاهلية، وجعل ( المتبنّى ) باناً في جميع الأحكام مما لا يقرّه شرع.