[ ٢ ] الإرث بقرابة الرحم
التحليل اللفظي
﴿ النبي أولى ﴾ : الإخبار بلفظ النبوّة مشعر ب ( التعظيم والتكريم ) لمقامه الشريف ﷺ وكلُّ ما ورد من الخطاب، أو الإخبار بلفظ النبوة، أو الرسالة فإنما هو لإظهار شرف النبي ﷺ ورفع مقامه، ومعنى ( أولى ) أي أحق وأجدر وهو ( أفعل تفضيل )، لبيان أن حق الرسول أعظم الحقوق فهو أولى بالمؤمن من نفسه، ومهما كانت ولاية الإنسان على نفسه عظيمة فولايته ﷺ عليها أعظم، وحكمه أنفذ، وحقه ألزم.
﴿ وأزواجه أمهاتهم ﴾ : أي منزّلات منزلة الأمهات في وجوب الاحترام والتعظيم وحرمة النكاح أما فيما عدا ذلك من الأمور كالنظير إليهن، والخلوة بهن، وإرثهن فهنَّ كالأجنبيات.
قال ( ابن العربي ) : ولسن لهم بأمهات، ولكن أنزلن منزلتهن في الحرمة، وكلّ ذلك تكرمة للنبي ﷺ وحفظاً لقلبه من التأذي بالغيْرة، وذلك من خصوصياته ﷺ.
﴿ وَأُوْلُو الأرحام ﴾ : أي أهل القرابة وأصحاب الأرحام. والأرحام جمع رَحِم وهو في الأصل مكان تكوّن الجنين في بطن أمّه ثم أطلق على القرابة.
ومعنى الآية : أهل القرابة مطلقاً أحق بإرث قريبهم من المؤمنين والمهاجرين لأنّ لهم صلة القرابة به، وقوله تعالى :﴿ مِنَ المؤمنين والمهاجرين ﴾ متعلّق ( بأولى ) أي أحق بالإرث من المؤمنين والمهاجرين، وليست متعلقة ( بأولو الأرحام ) نبَه عليه ابن العربي والقرطبي.
﴿ أولى بِبَعْضٍ ﴾ : أي في التوارث، وقد كان الإرث في صدر الإسلام بالهجرة والمؤاخاة في الدين، فنسخ الله ذلك وجعل التوارث بالنسب والقرابة، روي عن الزبير رضي الله عنه أنه قال : لمّا قدمنا معشرَ قريش المدينة، قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فآخيناهم فأورثونا وأورثناهم، فآخى أبو بكر ( خارجة بن زيد ) وآخيتُ ( كعب بن مالك ) فوالله لو قد مات عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله ﴿ وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله ﴾ فرجعنا إلى موارثنا.
﴿ فِي كتاب الله ﴾ : المراد بالكتاب هنا ( القرآن العظيم ) أي فيما أنزله في القرآن من أحكام المواريث وقيل : المراد به ( اللوح المحفوظ )، والقول الأول أظهر وأرجح.
﴿ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً ﴾ : المراد بالأولياء هنا هم ( المؤمنون والمهاجرون ) المذكورون في أول الآية والمراد بالمعروف ( الوصية ) والاستثناء في الآية هو ( استثناء منقطع ) على الرأي الراجح، ويصبح معنى الآية : أولو الأرحام أحق بالإرث من غيرهم فلا تورّثوا غير ذي رحم لكن فعلكم إلى أوليائكم من المؤمنين والمهاجرين الأجانب بأن توصوا لهم فإنّ ذلك جائز بل هم أحق بالوصية من ذوي الأرحام الوراثين.
﴿ مَسْطُوراً ﴾ : أي مثبتاً بالأسطار في القرآن الكريم، أو حقاً مثبتاً عند الله تعالى لا يُمْحَى.
المعنى الإجمالي
أخبر الباري تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن مقام النبي الرفيع، وشرفه السامي فبيّن أنه أحق بالمؤمنين من أنفسهم، وأن حقه أعظم من حقوق أنفسهم عليهم، وأن أمره ينبغي أن يقدّم على كل أمر، وحبّه ينبغي أن يفوق كل حبّ، فلا يُعصى له أمر، ولا يُخالف في صغيرة أو كبيرة، لأنّ ذلك من مقتضى ولايته العامّة عليهم، فإذا دعاهم إلى الجهاد عليهم أن يلبّوا أمره مسرعين ولا ينتظروا أمر والد أو والدة، فإنه صلوات الله عليه بمنزلة الوالد لهم، لا يريد لهم إلا الخير، ولا يأمرهم إلا بما فيه خيرهم وصلاحهم وسعادتهم.