الحكم الرابع : هل يورّثُ ذوو الأرحام؟
المراد من قوله تعالى :﴿ وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ ﴾ أنّ أصحاب القرابة مطلقاً أولى بميراث بعض الأجانب، وهذه الآية نسخت التوارث الذي كان بين المسلمين بسبب ( المؤاخاة والنصرة ) أو بسبب الهجرة، فقد كان المهاجريُّ يرث أخاه الأنصاري بعد موته، ثم نسخ الحكم وأصبح التوارث بالقرابة النسبية.
وقد أخذ بعض الفقهاء من هذه الآية الكريمة أن ( ذوي الأرحام ) - وهم الذين ليسوا بأصحاب فروض ولا عصبات - كالخال والعمة وأولاد البنات وغيرهم أحق بالإرث من بيت مال المسلمين، وهذا هو مذهب ( الحنفية ) وجمهور الفقهاء، ودليلهم في ذلك أنّ الآية اقتضت بأنّ ذوي القرابة مطلقاً ( سواء كانوا أصحاب فروض أم عصبات أم أصحاب قرابة رحمية ) أحقُّ بالإرث من الأجانب، فالآية تشمل كل قريب للميت. كما استدلوا بأنّ بيت مال المسلمين تربطه مع الميت رابطة الأخوَّة في الدين، وذوو الأرحام تربطهم معه أخوًّة الدين مع شيء آخر وهو ( قرابة الرحم ) فأصبح لهم قرابتان : قرابة الدين، وقرابة الرحم، وهذا يشبه ما إذا مات إنسان عن أخ شقيق، وأخ لأب فإنّ المال كله يكون للشقيق لأنّ قرابته من جهتين : من جهة الأب ومن جهة الأم فتكون أقوى من قرابة الأخ لأب لأنه من جهة واحدة فكذلك ( ذوو الأرحام ). وذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى عدم توريث ( ذوي الأرحام ) وقال : إن بيت مال المسلمين أحق بالإرث فيما إذا لم يكن للميت عصبة أو أصحاب فروض أو من يردّ عليه منهم فيصبح المال من نصيب المسلمين ويعطى لبيت المال، وحجته في ذلك أن التوريث لا بدّ فيه من نصّ في كتابٍ أو سنّة ولا يمكن أن يكون بالعقل أو الرأي ولم يرد في توريث ( ذوي الأرحام ) نصّ قاطع، فلا يورّثون إذاً ويكون الإرث لبيت المال.
الترجيح : والصحيح هو ما ذهب إليه الحنفية وجمهور الفقهاء من توريث ذووي الأرحام فهو الظاهر من النصوص الشرعية في الكتاب والسنّة. والبحث مفصّل في علم الفرائض فليرجع إليه.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً : ولاية النبي ﷺ العامّة على جميع المؤمنين.
ثانياً : حرمة نكاح زوجات الرسول ﷺ تعظيماً لشأنه.
ثالثاً : تكريم النبي ﷺ وأهل بيته واجب على المسلمين.
رابعاً : نسخ التوارث بالمؤاخاة والنصرة وجعله بالقرابة النسبية.
خامساً : أحكام الشريعة الغراء منزلة من عند الله مسطّرة في القرآن العظيم.
سادساً : توريث ذوي الأرحام مقدم على ميراث بيت مال المسلمين على الصحيح.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
من حكمة الباري جلّ وعلا أن ربط بين أفراد المجتمع الإسلامي برباط ( العقيدة والدين... ) وعزّز تلك الروابط ب ( الأخوّة الإسلامية ) التي هي مظهر القوة والعزة. وسبيل السعادة والنجاح.


الصفحة التالية
Icon