[ ٣ ] التوجه إلى الكعبة في الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

التحليل اللفظي
﴿ السفهآء ﴾ : أصل السفه في كلام العرب : الخفة والرقة، يقال : ثوب سفيه إذا كان رديء النسخ خفيفه، أو كان بالياً رقيقاً، وسفّهته الرياح أي أمالته قال ذو الرمّة :
مشيْنَ كما اهتزّتْ رماحٌ تسفّهتْ أعاليَها مرّ الرياح النّواسِمِ
والسّفه : ضد الحلم وهو خفة وسخافة يقتضيها نقصان العقل، ولهذا سمّى الله الصبيان سفهاء ﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ السفهآء أَمْوَالَكُمُ التي جَعَلَ الله لَكُمْ قياما ﴾ [ النساء : ٥ ].
﴿ ولاهم ﴾ : يعني صرفهم، يقال : ولىّ عن الشيء وتولّى عنه أي انصرف، وهو استفهام على جهة الاستهزاء والتعجب.
﴿ قِبْلَتِهِ ﴾ : القبلة من المقابلة وهي المواجهة، وأصلها الحالة التي يكون عليها المقابل، ثم خصّت بالجهة التي يستقبلها الإنسان في الصلاة.
﴿ وَسَطاً ﴾ : أي عدولاً خياراً، ومنه قوله تعالى :﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ ﴾ [ القلم : ٢٨ ] أي خيرهم أو عدلهم، قال الشاعر :
هم وسَطٌ يرضى الأنامُ بحكمِهم إذا نزلت إحدى الليالي بمُعْظَم
وأصل هذا أنّ خير الأشياء أوساطها، وأن الغلوّ والتقصير مذمومان.
قال الجوهري في « الصحاح » :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾ أي عدلاً، وكذلك روي عن الأخفش، والخليل.
وقال الزمخشري : وقيل للخيار وسطٌ؛ لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل، والأوساط محميةٌ محوّطة ومنه قول أبي تمام.
كانت هي الوسط المحميّ فاكتنفت بها الحوادثُ حتّى أصبحتْ طرفاً
﴿ عَقِبَيْهِ ﴾ : العقبان : تثنية عقب، وهو مؤخر القدم، والانقلابُ عليهما بمعنى الانصراف والرجوع، يُقال : انقلب على عقبيه إذا انصرف عنه بالرجوع إلى الوراء.
والمعنى : لنعلم من يثبت على الإيمان، ممّن يرتد عن دين الإسلام، ويرجع إلى ما كان عليه من ضلال، والكلام فيه استعارة كما سيأتي.
﴿ لَكَبِيرَةً ﴾ : أي شاقة ثقيلة تقول : كبر عليه الأمر أي اشتد وثقل.
﴿ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ : الرأفة هي الرحمة، إلاّ أن الرأفة في دفع المكروه، والرحمة أعم تشمل المكروه والمحبوب.
﴿ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ ﴾ : تقلّبُ الوجه في السماء : ترّدده المرة بعد المرة فيها، والسماءُ مصدر الوحي، وقبلة الدعاء.
قال الزجاج : المراد تقلب عينيك في النظر إلى السماء.
وقال قطرب : تحول وجهك إلى السماء وهما متقاربان.
ومعنى الآية : كثيراً ما نرى تردّد وجهك، وتصرّف نظرك في جهة السماء متشوقاً لنزول الوحي بتحويل القبلة إلى الكعبة.
﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً ﴾ : أي لنمكننّك من استقبالها، من قولك : وليّتُه كذا إذا جعلته والياً له، فيكون من الولاية، أو من التولي، والمعنى : فلنجعلنّك متولياً جهتها، وهذه بشارة من الله تعالى لرسوله الكريم بتوجيهه إلى القبلة التي يحب.
﴿ شَطْرَ المسجد ﴾ : والشطرُ في اللغة يكون بمعنى الجهة والناحية كما في هذه الآية ومنه قول الشاعر :
أقول لأمّ زِنبْاعٍ أقيمي صدورَ العيسِ شطرَ بني تميم
ويكون بمعنى النصف من الشيء والجزء منه، ومنه قوله ﷺ :« الطهور شطر الإيمان »


الصفحة التالية
Icon