دليل الشافعي : استدل الشافعي رحمه الله بأن المطلّقة تبني على عدتها الأولى وليس عليها أن تستأنف عدة جديدة، بأنّ الطلاق الثاني لا عدة له لأنه طلاق قبل المساس، ولكن لا ينبغي أن يبطل ما وجب بالطلاق الأول فإنه طلاق بعد دخول يجب أن تراعى فيه حكمة الشارع في إيجاب العدة. فطلاقه لها قبل أن يمسّها في حكم من طلّقها في عدتها قبل أن يراجعها، ومن طلّق امرأته في كل ظهر مرةً بنَتْ ولم تستأنف.
دليل المالكية والحنفية : قالوا إن عليها أن تستأنف عدةً جديدة، لأن الطلاق الثاني وإن كان لم يفصل بينه وبين الرجعة مسّ ولا خلوة، لكنه لا يصدق عليه أنه قد حصل قبل الدخول على الإطلاق، إذا المفروض أن المرأة كان مدخولاً بها من قبل، فيجب عليها أن تستأنف عدةً كاملة لأنها في حكم الموطوءة.
قال القرطبي : نقلاً عن الإمام مالك : إنها تنشئ عدةً مستقبلة، وقد ظلم زوجُها نفسَه وأخطأ إن كان ارتجعها ولا حاجة له بها، وعلى هذا أكثر أهل العلم لأنها في حكم الزوجات المدخول بهنّ في النفقة والسكنى وغير ذلك، وهو قول جمهور فقهاء البصرة والكوفة ومكة والمدينة والشام.
الحكم الرابع : هل تجب المتعة لكل مطلّقة؟
ظاهر قوله تعالى :﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ ﴾ إيجاب المتعة للمطلقة قبل الدخول سواءً فرض لها مهر أو لم يفرض لها مهر، ويقوّي هذا الظاهر قوله تعالى :﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بالمعروف حَقّاً عَلَى المتقين ﴾ [ البقرة : ٢٤١ ] فقد أوجبت لكل مطلقة ( المتعة ) وقد اختلف الفقهاء في وجوب المتعة على أقوال :
أ- إنها واجبة لكل مطلّقة فرض لها مهر أم لم يفرض لها مهر عملاً بظاهر الآية وهو مذهب ( الحسن البصري ).
ب- إن المتعة واجبة للمطلّقة قبل الدخول التي لم يفرض لها مهر وهو مذهب ( الحنفية والشافعية ). وبهذا قال ( ابن عباس ) رضي الله عنهما. وأما التي فرض لها مهر فتكون المتعة لها مستحبة.
ح - إن المتعة مستحبة للجميع وليست واجبة لأحدٍ من النساء وهو مذهب ( المالكية ).
وسبب الخلاف بين الفقهاء في ( وجوب لمتعة ) أو استحبابها هو أنه قد ورد في القرآن الكريم آيات كريمة ظاهرها التعارض، فمنها ما يوجب المتعة على الإطلاق، ومنها ما يوجب المتعة عند عدم ذكر المهر المفروض لها، ومنها ما لم ينصّ على المتعة أصلاً فلهذا وقع الخلاف بين الفقهاء. أما الآيات الكريمة فهي آية الأحزاب ﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ﴾ وآية البقرة [ ٢٣٦ ] ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ مَتَاعاً بالمعروف حَقّاً عَلَى المحسنين ﴾ وآية البقرة [ ٢٣٧ ] كذلك ﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾


الصفحة التالية
Icon