ب- وقالوا أيضاً : إن النبي ﷺ وأمتَّه في عقد النكاح بلفظ ( الهبة ) سواء. وخصوصيتُه التي أشارت إليها الآية الكريمة ﴿ خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين ﴾ إنما هي في جواز النكاح بدون مهر بدليل قوله تعالى في آخر الآية ﴿ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ﴾ وذلك يشير إلى أنّ الخصوصية دفعت حرجاً، والحرجُ إنما يكون في إلزام المهر؛ لأنه يلزمه مشقة السعي في تحصيل المال، وهو عليه السلام مشغول بشؤون الرسالة، وليس ثمة حرج أن يكون العقد بلفظ النكاح أو التزويج فتكون الخصوصية له عليه السلام في النكاح بدون مهر.
ح - وقالوا : مما يؤيد هذا ما روي عن عائشة أنها كانت تعيّر النساء اللاتي وهبن أنفسهنّ للنبي ﷺ وتقول :( ألا تستحيي أن تعرض نفسها بغير صداق ) !! فلما نزل قوله تعالى :﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وتؤوي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ... ﴾ [ إلى قوله ] ﴿ فَلاَ جُنَاحَ ﴾ قالت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. وقد تقدّم الحديث.
د- واستدلوا بحديث سهل بن سعد « أن امرأة جاءت إلى رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله : جئت لأهب نفسي لك.. وفيه فقام رجل من الصحابة فقال يا رسول الله : إن لم تكن لك بها حاجة فزوِّجْنيها، وذكر الحديث إلى قوله : إذهب فقد مَلّكتكها بما معك من القرآن ».
ففي هذا الحديث أنه عقد له النكاح بلفظ التمليك. والهبة من ألفاظ التمليك. فوجب أن يجوز بها عقد النكاح. فلكُّ ما كان من ألفاظ ( الإباحة ) لم ينعقد به عقد النكاح قياساً على المتعة، وكلُّ ما كان من ألفاظ ( التمليك ) ينعقد به عقد النكاح قياساً على سائر عقود التمليكات.
حجة الجمهور :
واستدل الجمهور ( المالكية والشافعية والحنابلة ) على عدم جواز النكاح بلفظ الهبة بما يأتي :
أ- أنّ الله تعالى خصّ رسوله بهذه الخصوصية، وهي جواز النكاح بلفظ الهبة بدون مهر فقال جل ثناؤه :﴿ وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النبي أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين ﴾.
فقوله تعالى :﴿ إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﴾ وقوله ﴿ خَالِصَةً لَّكَ ﴾ دليل على أنّ إحلال المرأة عن طريق الهبة إنما كان خاصاً بالنبي ﷺ بدليل قوله تعالى ﴿ مِن دُونِ المؤمنين ﴾ فالخصوصية له عليه السلام كانت بالهبة ( لفظاً ومعنى ) لأنّ اللفظ تابع للمعنى.
ب- وقالوا : ما كان من خصوصياته عليه السلام، فلا يجوز أن يشاركه فيها أحد.