وفعله، وتقريره، وكل هذا من التشريع الذي يجب على الأمة اتباعه، فمن ينقل لنا أخبارَه وأفعالَه عليه السلام في المنزل غيرُ هؤلاء النسوة اللواتي أكرمهن الله فكنّ أمهات للمؤمنين، وزوجاتٍ لرسوله الكريم في الدنيا والآخرة؟!
لا شك أن لزوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأطواره، وأفعاله المنزلية عليه السلام أفضل الصلاة والتسليم.
ولقد أصبح من هؤلاء الزوجات معلّمات ومحدثات نقلن هدية عليه السلام. واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.
ونتحدث الآن عن ( الحكمة التشريعية ) التي هي جزء من حكمة تعدد زوجات الرسول ﷺ. وهذه الحكمة ظاهرة تدرك بكل بساطة، وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة، ونضرب لذلك مثلاً ( بدعة التبني ) التي كا ن يفعلها العرب قبل الإسلام، فقد كانت ديناً متوارثاً عندهم، يتبنّى أحدهم ولداً ليس من صلبه، ويجعله في حكم الولد الصلبي، ويتخذه ابناً حقيقياً له حكم الأبناء من النسب، في جميع الأحوال : في الميراث، والطلاق، والزواج، ومحرمات المصاهرة، ومحرمات النكاح، إلى غير ما هنالك مما تعارفوا عليه وكان ديناً تقليدياً متبعاً في الجاهلية.
كان الواحد منهم يتبنَّى ولد غيره فيقول له :« أنت ابني، أرثك وترثني » وما كان الإسلام ليقرّهم على باطل، ولا ليتركهم يتخبّطون في ظلمات الجهالة، فمهّد لذلك بأن ألهم رسوله عليه السلام أن يتبنّى أحد الأبناء - وكان ذلك قبل البعثة النبوية - فتبنّى النبي الكريم ( زيد بن حارثه ) وأصبح الناس يدعونه بعد ذلك اليوم ( زيد بن محمد ).
روى البخاري ومسلم : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : إنّ زيد بن حارثة مولى رسول الله ﷺ ما كنّا ندعوه إلاّ زيد بن محمد، حتى نزل القرآن ﴿ ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله ﴾ [ الأحزاب : ٥ ] فقال النبي ﷺ : أنت زيد بن حارثه بن شراحبيل «.
وقد زوّجه عليه السلام بابنة عمته ( زينب بنت جحش الأسدية ) وقد عاشت معه مدةً من الزمن، ولكنها لم تطل فقد ساءت العلاقات بينهما، فكانت تغلظ له القول، وترى أنها أشرفُ منه، لأنه كان عبداً مملوكاً قبل أن يتبناه الرسول، وهي ذات حسبٍ ونسب.
ولحكمة : يريدها الله تعالى طلّق زيد زينب، فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل ( بدعة التبني ) ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها. ولكنه عليه السلام كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجّار، أن يتكلموا فيه ويقولوا : تزوّج محمد امرأة ابنه، فكان يتباطأ حتى نزل العتاب الشديد لرسول الله عليه السلام، وفي قوله جلّ وعلا :
﴿ وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً ﴾