وخرج الخبر إلى الناس فقالوا : أصهار رسول الله يُسْترقّون؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني المصطلق، فبلغ عتقُهم مائةً بيت، بتزوجه عليه السلام بنتَ سيدِ قومه.
ثانياً :- وكذلك تزوجه ﷺ بالسيدة ( صفية بنت حُيّي بن أخطب ) التي أسرت بعد قتل زوجها في ( غزوة خيبر ) ووقعت في سهم بعض المسلمين فقال أهل الرأي والمشورة : هذه سيّدة بني قريظة، لا تصلح إلاّ لرسول الله ﷺ فعرضوا الأمر على الرسول الكريم، فدعاها وخيّرها بين أمرين :
أ- إمّا أن يعتقها ويتزوجها عليه السلام فتكون زوجة له.
ب- وأمّا أن يُطْلِقَ سراحها فتلحق بأهلها.
فاختارت أن يعتقها وتكون زوجة له، وذلك لما رأته من جلالة قدره، وعظمته وحسن معاملته، وقد اسلمت وأسلم بإسلامها عدد من الناس، روي أن ( صفية ) رضي الله عنها لما دخلت على النبي ﷺ قال لها : لم يزل أبوك من أشدّ اليهود لي عداوة حتى قتله الله، فقالت يا رسول الله : إن الله يقول في كتابه :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ [ الأنعام : ١٦٤ ].
فقال لها الرسول الكريم : اختاري، فإن اخترَت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك، فقالت يا رسول الله : لقد هويتُ الإسلام، وصدقتُ بك قبل أن تدعوني إلى رَحْلك، ومالي في اليهودية أرَب، ومالي فيها والد ولا أخ، وخيّرتني الكفرَ والإسلامَ، فاللَّهُ ورسولُه احبّ إليّ من العَتْق، وأن أرجع إلى قومي، فأمسكها رسول الله ﷺ لنفسه.
ثالثاً : وكذلك تزوجه ﷺ بالسيدة أم حبيبة ( رملة بنت أبي سفيان ) الذي كان في ذلك الحين حامل لواء الشرك، وألدّ الأعداء لرسول الله ﷺ وقد أسلمت ابنته في مكة، ثمّ هاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراراَ بدينها، وهناك مات زوجها فبقيت وحيدة فريدة، لا معين لها ولا أنيس، فلما علم الرسول الكريم بأمرها أرسل إلى ( النجاشي ) ملكِ الحبشة ليزوجه أيّاها، فأبلغها النجاشي ذلك فسُرّت سروراً لا يعرف مقدراه إلا الله سبحانه، لأنها لو رجعت إلى أبيها أو أهلها لأجبروها على الكفر والردَّة، أو عدبّوها عذاباً شديداً، وقد أصدقها عنه أربعمائة دينار مع هدايا نفيسه، ولما عادت إلى المدينة المنورة تزوجها النبي المصطفى ﷺ.
ولما بلغ ( أبا سفيان ) الخبرُ أقرَ ذلك الزواج وقال :« هوالفحل لا يُقدع أنفُه » فافتخر بالرسول ولم ينكر كفاءته له، إلى أن هداه الله تعالى للإسلام.
ومن هنا تظهر لنا الحكمة الجليلة في تزوجه عليه السلام بابنة أبي سفيان فقد كان هذا الزواج سبباً لتخفيف الأذى عنه وعن أصحابه المسلمين، سيّما بعد أن أصبح بينهما نسب وقرابة، مع أن أبا سفيان كان وقت ذاك من ألدّ بني أمية خصومة لرسول الله، ومن أشدّهم عداء له وللمسلمين، فكان تزوجه بابنته سبباً لتأليف قلبه وقلب قومه وعشيرته، كما أنه ﷺ اختارها لنفسه تكريماً لها على إيمانها لأنها خرجت من ديارها فارة بدينها، فما أكرمها من سياسة، وما أجلها من حكمة؟؟
أمهات المؤمنين الطاهرات
بعد أن تحدثنا عن حكمة تعدد زوجات الرسول ﷺ نتحدث الآن عن ( أمهات المؤمنين ) الطاهرات رضوان الله تعالى عليهن.