وقد عرضها أبوها ( عمر ) رضي الله عنه على عثمان بعد وفاة زوجته ( رقية ) بنت الرسول، ثم تزوجها الرسول ﷺ فكان ذلك أعظم إكرام ومنّة وإحسان لأبيها عمر بن الخطاب.
أخرج الإمام البخاري عن عبد الله به عمر رضي الله عنهما : أنّ عمر حين تأيمت حفصة من ( خنيس بن حذافة ) - وكان شهد بدراً وتوفي بالمدينة - لقي عثمان فقال : إن شئت أنكحتك حفصة؟ قال : سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال : قد بدا لي لا أتزوج، قال عمر : فقلت لأبي بكر إن شئتَ أنكحتك حفصة، فصمتَ، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبث ليالي ثم خطبها النبي ﷺ فأنكحتها إياه.
فلقيني أبو بكر فقال : لعلك وجدت عليّ حين عرضتَ عليّ حفصة، فلم أرجع إليك شيئاً؟ قلت : نعم، قال : إنه لم يمنعني أن أرجع إليك إلاّ أني علمت أن النبي ﷺ ذكرها. « فلم أكن لأفشي سرّه، ولو تركها لقبلتها ».
أقول : هذه لعَمْرُ الحق هي الشهامة الحقة، بل هذه هي الرجولة الصادقة، تظهر في فعل الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه فهو يريد أن يصون عرضه، فلا يرى في نفسه غضاضة أن يعرض ابنته على الكفء الصالح، لأنّ الزواج خير وسيلة للمجتمع الفاضل، فأين نحن اليوم من جهل المسلمين بأحكام الإسلام وجماله الناصع؟ يتركون بناتهم عوانس حتى يأتي الخاطب، ذو المال الكثير، والثراء الوفير؟!
٥- السيدة زينب بنت خزيمة رضي الله عنها
تزوجها عليه السلام بعد حفصة بنت عمر، وهي أرملة البطل المقدام شهيد الإسلام ( عبيدة بن الحارث ) بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه، الذي استشهد في أول المبارزة في غزوة بدر، وقد كانت حين استشهاد زوجها تقوم بواجبها في إسعاف الجرحى، وتضميد جراحهم، لم يشغلها استشهاد زوجها عن القيام بواجبها، حتى كتب الله النصر للمؤمنين في أول معركة خاضوها مع المشركين. ولما علم الرسول ﷺ بصبرها وثباتها وجهادها وأنه لم يعد هناك من يعولها خطبها لنفسه وآواها، وجبر خاطرها بعد أن انقطع عنها الناصر والمعين.
يقول فضيلة الشيخ ( محمد محمود الصواف ) في رسالته القيمة « زوجات النبي الطاهرات » بعد أن ذكر قصة استشهاد زوجها وما فيها من سموّ وعظمة :( وكانت قد بلغت الستين من عمرها حينما تزوج بها النبي ﷺ، ولم تعمّر عند النبي الكريم سوى عامين، ثم توفاها الله إليه راضية مرضية. فما رأي الخراصين بهذا الزواج الشريف، وغايته النبيلة؟ وهل يجدون فيه شيئاً مما يأفك الأفّاكون؟
أيجدون فيه أثراً للهوى والشهوة؟ أم هو النبل، والعفاف، والعظمة والرحمة، والفضل، والإحسان، من رسول الإنسانية الأكبر، الذي جاء رحمة للعالمين.