﴿ مُسْتَأْنِسِينَ ﴾ عطف على ﴿ غَيْرَ ناظرين ﴾ و ( لا ) لتأكيد النفي، وجوّز بعض المفسّرين أن تكون ( لا ) بمعنى غير معطوفة على غير ناظرين إناه ويصبح المعنى : غير ناظرين إناه، وغير مستأنسين لحديث.
ويرى البعض أن ﴿ مُسْتَأْنِسِينَ ﴾ حال من فاعل فعل محذوف دلّ عليه الكلام، أي ولا تمكثوا مستأنسين لحديث، واللام في قوله ( لحديث ) لام التعليل أي لأجل استماع الحديث، أو هي لام التقوية.
رابعاً : قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله ﴾ الآية.
أنْ وما بعدها في تأويل مصدر اسم كان، والتقدير : وما كان لكم إيذاء رسول الله، وكذلك قوله تعالى :﴿ وَلاَ أَن تنكحوا ﴾ لأنه عطف عليه، أفاده ابن الأنباري.
خامساً : قوله تعالى :﴿ إِنَّ ذلكم كَانَ عِندَ الله عَظِيماً ﴾ اسم الإشارة اسم ( إنَّ ) وجملة ﴿ كَانَ عِندَ الله عَظِيماً ﴾ خبرها والله أعلم.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يجوز تناول الطعام بدون دعوة؟
اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز دخول البيوت إلا بإذن. ولا يجوز تناول طعام الإنسان إلا بإذن صريح أو ضمني، لقوله عليه السلام :« لا يحل مال أمرئ مسلم إلا عن طيب نفسه ».
وقد دلت الآية الكريمة على حرمة دخول بيوت النبي ﷺ إلا بعد الإذن، وعلى حرمة ( التطفل ) وهو أن يحضر إلى الوليمة بدون دعوة، وفاعله يسمى ب ( الطفيلي )، والحكم عام في جميع البيوت، فلا يجوز لإنسان أن يدخل بيت أحد بدون إذنه، ولا أن يتناول الطعام بدون رضى صاحبه، وهذا أدب رفيع من الآداب الاجتماعية التي أرشد إليها الإسلام.
قال ابن عباس : كان ناس يتحيَّنون طعامه ﷺ، فيدخلون عليه قبل الطعام، وينتظرون إلى أن يدرك، ثمّ يأكلون ولا يخرجون، فكان رسول الله ﷺ يتأذى بهم فنزلت هذه الآية.
وقال ابن كثير رحمه الله :« حظر الله تعالى على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله ﷺ بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى لهذه الأمة، ومعنى الآية : أي لا ترقبوا الطعام إذا طبخ، حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول، فإنّ هذا مما يكرهه الله ويذمه.. ثمّ قال : وهذا دليل على تحريم التطفل، وهو الذي تسميه العرب » الضيفن «.
الحكم الثاني : هل الجلوس بعد تناول طعام الوليمة حرام؟
دلّ قوله تعالى :﴿ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا ﴾ على ضرورة الخروج بعد تناول الطعام، وهذا من الآداب الإسلامية التي أدّب الله بها المؤمنين، فالمكث والجلوس بعد تناول الطعام ليس بحرام، ولكنّه مخالف لآداب الإسلام، لما فيه من الإثقال على أهل المنزل سيما إذا كانت الدار ليس فيها سوى بيت واحد، اللهمَّ إلا إذا كان الجلوس بإذن صاحب الدار أو أمره، أو كان جلوساً يسيراً تعارفه الناس، لا يصل إلى حدّ الإثقال المذموم.


الصفحة التالية
Icon