وقيل : لا عدة عليهن، لأنها مدة تربص لا ينتظر بها الإباحة.
قال : والقول الثاني هو الصحيح لقوله عليه السلام :« ما تركتُ بعد نفقة عيالي » وروي ( أهلي ) وهذا اسم خاص بالزوجية، فأبقى عليهن النفقة والسكنى مدة حياتهن لكونهن نساءه، وحرمن على غيره، وهذا هو معنى بقاء النكاح. وإنما جعل الموت في حقه عليه السلام بمنزلة المغيب في حق غيره، لكونهن أزواجاً له في الآخرة قطعاً، بخلاف سائر الناس، لأن الرجل لا يعلم كونه مع أهله في دار واحدة، فربما كان أحدهما في الجنة، والآخر في النار، فبهذا انقطع السبب في حق الخلق، وبقي في حق النبي ﷺ وقد قال عليه السلام :« كلُّ سببٍ ونسبٍ ينقطع، إلا سببي ونسبي فإنه باق إلى يوم القيامة ».
فأما زوجاته عليه السلام اللاتي فارقهن في حياته مثل الكَلْبيّة وغيرها، فهل كان حيل لغيره نكاحهن؟ فيه خلاف، والصحيح جواز ذلك، لما روي أن الكلبية التي فارقها رسول الله ﷺ تزوجها ( عكرمة بن أبي جهل ) على ما تقدم، وقيل : إن الذي تزوجها ( الأشعث بن قيس الكندي ).
قال القاضي أبو الطيب : الذي تزوجها ( مهاجر بن أبي أمية ) ولم ينكر ذلك أحد، فدلّ على أنه إجماع.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١- النهي عن دخول بيوت الرسول ﷺ بغير إذن، وبدون سابق دعوة.
٢- لا ينبغي الحضور قبل نضج الطعام، ولا المكث بعد تناول اطعام الوليمة.
٣- وجوب احترام الرسول ﷺ وتعظيمه، وأمتثال أوامره وتقديم طاعته على كل شيء.
٤- حرمة إيذاء الرسول ﷺ بالأقوال أو الأفعال، والتأدب معه في جميع الأحوال.
٥- حرمة نكاح أمهات المؤمنين من بعد وفاته لأنهن أزواج رسول الله ﷺ.
٦- خلق الرسول الرفيع يمنعه من أمر الناس بالخروج من منزلة فينبغي عدم الإثقال عليه.
٧- نساء الرسول ﷺ هنّ القدوة والأسوة الحسنة لسائر النساء فينبغي مخاطبتهن من وراء حجاب.
٨- في عدم الاختلاط بالنساء صفاء النفس، وسلامة القلب، ونقاء السريرة، والبعد عن مظان التهم.
٩- الآداب التي أرشد إليها القرآن ينبغي التمسك بها وتطبيقها تطبيقاً كاملاً.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
حرّم الله تعالى على المؤمنين دخول بيوت النبيّ ﷺ بدون إذن، تكريماً لرسول الله عليه السلام وتعظيماً لشأنه، ومنع الناس من الإثقال على رسول الله ﷺ سواءً بالدخول إلى بيوته دون سابق دعوة، أو المكث فيه بعد تناول طعام الوليمة لأن في ذلك إثقالاً على الرسول الكريم، وإيذاءً له، والتطفلُ والإثقال على أهل الدار ليس من أوصاف المؤمنين، وقد كان رسول الله ﷺ شديد الحياء، وكان - كما تقول السيدة عائشة - أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، ولم يكن من خلقة الكريم أن يجابه أحداً بما يكره، مهما أصابه الأذى والضرر، ولا من عادته أن يأمر الزائر بالانصراف مهما طال المكث والبقاء، لأنّ هذا لا يتفق مع خُلُق الداعية، فكيف بخلق النبوة وأوصاف سيد المرسلين!!