يا أيها النبي بلّغ أوامر الله إلى عباده المؤمنين، وابدأ بنفسك فمر زوجاتك أمهات المؤمنين الطاهرات، وبناتك الفضليات الكريمات أن يرتدين الجلباب الشرعي، وأن يحتجبن عن أنظار الرجال، ليكنّ قدوة لسائر النساء، في التعفّف، والتستّر، والاحتشام، حتى لا يطمع فيهن فاسق، أو ينال من كرامتهن فاجر، وأمُر سائر نساء المؤمنين، أن يلبسن الجلباب السابغ، الذي يستر محاسنهنّ وزينتهنّ، ويدفع عنهنّ ألسنة السوء، وأمُرْهنّ كذلك أن يغطين وجوههنّ وأجسامهن بجلابيبهن، ليميّزن عن الإماء والقينات، فلا يكنّ هدفاً للمغرضين، وليكنّ بعيدات عن التشبه بالفواجر، فلا يتعرض لهن إنسان بسوء، فذلك أقرب إلى أن يعرفن بالعفة والتصون، فلا يطمع فيهن من في قلبه مرض، ﴿ وَكَانَ الله غَفُوراً ﴾ يغفر لمن امتثل أمره، رحيماً بعباده حيث لا يشرّع لهم إلا ما فيه خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
سبب النزول
روى المفسّرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة، أنّ الحرة والأمة كانتا تخرجان ليلاً لقضاء الحاجة في الغيطان، وبين النخيل، من غير تمييز بين الحرائر والإماء، وكان في المدينة فسّاق، لا يزالون على عاداتهم في الجاهلية يتعرضون للإماء، وربّما تعرضوا للحرائر، فإذا قيل لهم يقولون : حسبناهنّ إماءً. فأمرت الحرائر أن يخالفن الإماء في الزيّ فيتسترن ليحتشمن ويُهَبْن فلا يطمع فيهن ذوو القلوب المريضة، فأنزل الله ﴿ ياأيها النبي قُل لأزواجك... ﴾ الآية.
وقال ابن الجوزي :« سبب نزولها أن الفسّاق كانوا يؤذون النساء إذا خرجن بالليل، فإذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا : هذه حرّة، وإذا رأوها بغير قناع قالوا : أمة، فآذوها، فنزلت هذه الآية : قاله السدي ».
وجوه الإعراب
١- قوله تعالى :﴿ ياأيها النبي... ﴾ أيّ : منادى، والهاء للتنبيه، و ﴿ النبي ﴾ صفة ل ﴿ أَيُّ ﴾ قال ابن مالك : وأيّها مصحوبَ أل بعدُ صفة.
٢- قوله تعالى :﴿ قُل لأزواجك... ﴾ قلْ : أمر، و ﴿ يُدْنِينَ ﴾ مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، وجملة ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ ﴾ مقول القول في محل جزم جواب الطلب.
٣- قوله تعالى :﴿ ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ ﴾ أي بأن يُعْرفن مجرور بحرف جر محذوف، واسم الإشارة مبتدأ، وما بعده خبر، والتقدير : ذلك أقرب بمعرفتهنّ أنهنّ حرائر، والله أعلم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : بدأ الله تعالى بنساء الرسول ﷺ وبناته في الأمر ب ( الحجاب الشرعي ) وذلك للإشارة إلى أنهنّ قدوة لبقية النساء فعليهن التمسك بالآداب الشرعية ليقتدي بهنّ سائر النساء، والدعوة لا تثمر إلاّ إذا بدأ الداعي بها في نفسه وأهله، ومن أحقّ من ( بيت النبوة ) بالتمسك بالآداب والفضائل؟ وهذا هو السرُّ في تقديمهنَّ في الخطاب في قوله تعالى :﴿ قُل لأزواجك وَبَنَاتِكَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon