الحكم الثالث : هل يجب على المرأة ستر وجهها؟
تقدّم معنا في سورة النور أنّ المرأة منهية عن إبداء زينتها إلا للمحارم ﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ ﴾ [ النور : ٣١ ] الآية ولمّا كان الوجه أصل الزينة، ومصدر الجمال والفتنة، لذلك كان ستره ضرورياً عن الأجانب، والذين قالوا إن الوجه ليس بعورة اشترطوا ألاّ يكون عليه شيء من الزينة كالأصباغ والمساحيق التي توضع عادة للتجمّل، وبشرط أمن الفتنة، فإذا لم تؤمن الفتنة فيحرم كشفه.
وممّا لا شك فيه أن الفتنة في هذا الزمان غير مأمونة، لذا نرى وجوب ستر الوجه حفاظاً على كرامة المسلمة، وقد ذكرنا بعض الحجج الشرعية على وجوب ستره في بحث ( بدعة كشف الوجه ) من سورة النور، ونزيد هنا بعض أقوال المفسّرين في وجوب ستر الوجه.
طائفة من أقوال المفسّرين في وجوب ستر الوجه
أولاً : قال ابن الجوزي في قوله تعالى :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن ﴾ أي يغطين رؤوسهنّ ووجوههنّ ليعلم أنهن حرائر، والمراد بالجلابيب : الأردية قاله ابن قتيبة.
ثانياً : وقال أبو حيّان في « البحر المحيط » : وقوله تعالى :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن ﴾ شامل لجميع أجسادهن، أو المراد بقوله ﴿ عَلَيْهِنَّ ﴾ أي على وجوههنّ، لأنّ الذي كان يبدوا منهنّ في الجاهلية هو الوجه.
ثالثاً : وقال أبو السعود : الجلباب : ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها وتبقي منه ما ترسله على صدرها، ومعنى الآية : أي يغطين بها وجوههنّ وأبدانهنّ إذا برزن لداعية من الدواعي.
وعن السّدي : تغطّي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين.
رابعاً : وقال أبو بكر الرازي : وفي هذه الآية ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن ﴾ دلالة على أنّ المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبييين. وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع فيهن أهل الريب.
خامساً : وفي « تفسير الجلالين » : الجلابيب جمع جلباب، وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة، قال ابن عباس : أمر نساء المؤمنين أن يغطّين رؤوسهنّ ووجوههنّ بالجلابيب إلاّ عيناً واحدة ليعلم أنهن حرائر.
سادساً : وفي « تفسير الطبري » : عن ابن سيرين أنه قال :« سألت عبيدة السلماني عن قوله تعالى :﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن ﴾ فرفع ملحفة كانت عليه فتقنّع بها وغطّى رأسه كله حتى الحاجبين، وغطّى وجهه وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر، وروي مثل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما » وقد تقدّم الحديث سابقاً.
فهذا وأمثاله كثير من أقوال مشاهير المفسّرين، يدل دلالة واضحة على وجوب ستر الوجه وعدم كشفه أمام الأجانب، اللهم إلاّ إذا كان الرجل خاطباً، أو كانت المرأة في حالة إحرام بالحج، فإنه وقت عبادة والفتنة مأمونة، فلا يقاس على هذه الحالة كما يفعل بعض الجهلة اليوم، حيث يقولون : إذا جاز لها أن تكشف عن وجهها في حالة الإحرام فمعناه أنه يجوز لها أن تكشف في غيره من الأوقات لأن الوجه ليس بعورة، فهذا كلام من لم يفقه شريعة الإسلام.


الصفحة التالية
Icon